كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 235 """"""
أفلوريا ، وزئبقا ، فطلب الزئبق من القاهرة ومصر والإسكندرية ، واستنفد جميع ما
عند الناس من الزئبق ، وأخذ جملة من الذهب ، وأحضر إلى السلطان ألف دينار ،
وادعى أنها من صنعته ، فأنعم عليه بها ، وخلع عليه خلعة سنية ، وأنعم عليه بفرس
بسرج ولجام وكنبوش حرير ، وبقي يعد ويمني ، ثم رجع إلى الكرك على خيل البريد
لإحضار حشائش ، فتوجه وصحبه من يحفظه ، وعاد وقد ظهر للسلطان كذبه ، فضيق
عليه فتحيل وهرب في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، فخرج السلطان
لذلك ، وشدد على الولاة في طلبه ، فنودي عليه في المدينتين ، وكتب إلى الوجهين
- القبلي والبحري - بطلبه حيث كان ، وكتب إلى الشام بطلبه ، وإلى سائر الجهات ،
فقبض عليه في ذي الحجة من السنة بمدينة أخميم من الصعيد ، وجهز إلى الأبواب
السلطانية ، فوصل في يوم السبت الرابع والعشرين من ذي الحجة والسلطان بالميدان ،
فسأله عن المال الذي أخذه ، فقال : المال راح ، فرسم بضربه ، فضرب ضربا شديدا ،
وحمل في قفص إلى خزانة شمائل ، فاعتقل بها ومات في ليلة الأحد خامس عشري
ذي الحجة ، فرسم السلطان بتسميره ، فسمّر في عشية نهار الأحد المذكور بعد أن
مات وورم ، وبات ليلة الاثنين على خشب التسمير ، وحمل في يوم الاثنين على جمل
شق به المدينة إلى باب النصر ودفن . هذا ما كان من أمره .
وفي هذه السنة في ذي القعدة أمر السلطان بإخراج المجذومين والبرصى من
القاهرة ومصر إلى بلدة من أعمال الفيوم ، فجمعوا ، واعتقلوا حتى كملوا ، وأخرجوا
في ليلة السبت سادس عشر الشهر ، فوصلوا إلى تلك القرية ، وهي خراب لا ساكن
بها ، فتفرقوا في البلاد ، ثم عاد بعضهم إلى القاهرة ومصر ، وسكن أمرهم ، والله
تعالى أعلم .
ذكر الفتنة بمكة شرفها الله تعالى
وفي هذه السنة في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة وقعت الفتنة بمكة - شرفها
الله تعالى - وسبب ذلك : أن الحاجّ لما قضوا مناسك الحج توجه بعضهم عائدا إلى
الديار المصرية ، منهم الأمير علم الدين سنجر الجاولي ، ومن صحبه في يوم الأربعاء
ثاني عشر الشهر ، وتأخر أمير الركب ، وهو الأمير سيف الدين خاص ترك الجمدار
الناصري ، والأمير سيف الدين الدمر أمير جاندار ، والأمير شهاب الدين أحمد ، ومن
معهم من بقية الحاج ، لصلاة الجمعة بمكة ، فلما كان الخطيب على المنبر تعبّث

الصفحة 235