كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
بعض عبيد الأشراف ببعض حاج العراق ، الذين حضروا في الركب العراقي ، وتخطفوا
شيئا من أموالهم ، والشريف عطيفة بن أبي نمي أمير مكة جالس إلى جانب أمير
الركب ، فاستصرخ الناس ، واستغاثوا بالأمير سيف الدين الدمر أمير جاندار ، فنهض
وتقدم لمنعهم ، وتقدمه ولده خليل وضرب بعض العبيد ، فطعن بحربة ، فمات ، فاحتدّ
والده ، وبادر لطلب ثأره ، فقتل أيضا بحربة ، وقتل معه أحد أولاد الأمير ركن الدين
بيبرس التاجي - متولي القاهرة كان - فوثب الأمير عطيفة ، وجرد سيفه ، وتوجه نحو
العبيد ليردهم ، فلم يصنع شيئا ، وظهر من ذلك أن إثارة هذه الفتنة كان برأيه وأمره ،
وذكر أن الذي قتل الدمر هو مبارك بن عطيفة ، وثارت الفتنة ، فعجل الخطيب
الصلاة ، وخرج الناس من المسجد الحرام إلى رحالهم وخيامهم ، واستحل الحرم في
هذا اليوم ، وتلطف أمير الركب في الخروج بالناس إلى خيامهم ، ووقف في وجوه
القوم من الأشراف والعبيد ، فمنعهم من التعرص إلى الحاج ، ومن غريب ما وقع في
هذه القضية أنه شاع بالقاهرة المعزية الخبر بقتل الدمر في يوم مقتله وهو يوم الجمعة
المذكور ، وسمعت أنا بعض الناس يتحدث بذلك بعد صلاة العصر من يوم الجمعة
المذكور ورددت القول على ناقله .
وكان الركب العراقي قد حضر في هذه السنة إلى مكة شرفها الله تعالى وأحضر
متوليه المندوب من جهة الملك أبي سعيد بن خربندا معه فيلا صغيرا ، وشهد به
الموقف بعرفة ، فتطاير الناس ، وتشاءموا بمقدمه ، وقال بعضهم : " هذا عام الفيل "
فوقع ما وقع ، فلما رجعوا به ، وقربوا من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة
والسلام ، وانتهوا إلى الفرش الصغير قبل البيداء الذي ينزل منها إلى ذي الحليفة ،
وقف الفيل وتقهقر ، وكلما أرادوه على التقدم تأخر ، فضربه الموكلون به ، وبقي يرجع
إلى ورائه القهقرى ، فلم يزل على ذلك إلى أن سقط على الأرض ميتا ، وذلك في يوم
الأحد ثالث عشر ذي الحجة ، ويقال : أنه صرف على كلفة هذا الفيل منذ جهز من
العراق إلى أن مات زيادة على ثلاثين ألف درهم ، وما علم مقصد الملك أبي سعيد
في إرساله إلى مكة شرفها الله تعالى .
ذكر متجددات كانت بدمشق المحروسة في سنة ثلاثين
وسبعمائة مما نقلته من تاريخي البرزالي ، والجزري
في هذه السنة في مستهل شهر ربيع الأول حضر نائب السلطنة بالشام الأمير
سيف الدين تنكز إلى الجامع الأموي بدمشق وصحبته قاضي القضاة علم الدين