كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
الشافعي ، وشاهد الجامع ، فاقتضت الآراء أن ينقض الرخام القائم بالجدار القبلي من
الجهة الشرقية ومحراب الصحابة ، وأن يجدد بشبه الجهة الغربية ، فحصل الشروع في
ذلك ، وكمل في أواخر ذي الحجة من السنة ، وصرف على العمارة من فائض وقف
الجامع ، فإنه كان قد تحصل به بعد كلفه ونفقاته - فيما قيل - نحو خمسة وسبعين
ألف درهم .
وفيها - في مستهل ربيع الآخر - حصل بدمشق اضطراب بسبب الذهب ، وأن
عياره قد تغير ونقص ، فأحضر محمد بن اليحشور ضامن دار الضرب بدمشق ،
والصيرفي ، وعلق الذهب ، فنقصت المائة دينار خمسة عشر دينارا ، ووجدت عدة
سكك متقدمة التواريخ وأسماء الملوك ، ونسب ذلك إلى أن القاضي شمس الدين
عبد الله غبريال ناظر الشام أمر بذلك ، وصرف منه جملة كبيرة خارج دار الضرب ،
وخرج ما صرف من الذهب وسافر به التجار والعربان والتركمان الذي يجلبون الأغنام
من بلاد الشرق وغيرها إلى سائر الأمصار ، فاضطرب الحال في ذلك اضطرابا شديدا ،
وبقي ما يوجد من هذا الذهب يصرف في القاهرة من ثمانية عشر درهما الدينار إلى
أحد وعشرين درهما ، وصرف الدرهم الجيد بخمسة وعشرين درهما .
وفيها في يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر ، أصبح الناس بدمشق فوجدوا
الأنهار قد امتلأت ماء متغير اللون من غير سبب ظاهر لهذه الزيادة ، فسقيت البساتين
والزراعات ، واستمر ذلك إلى يوم الأحد سابع الشهر ، ونقص قليلا ، وكان المطر في
هذه السنة قد تأخر بدمشق ، فأمطرت في ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر مطرا
خفيفا ، وفي ليلة السبت ، ثم حصل الغيث الكثير في ليلة الأحد سابع الشهر ، وذلك
في آخر كانون الثاني ، وفيها - في جمادى الآخرة - كملت عمارة مصلى العيدين بظاهر
دمشق ، وتجديد سقوفه وبياضه وإصلاح أبوابه ، وكان قد تداعى ، فرسم السلطان
بعمارته ، فجدد ، وصلى خطيبه في صدره ، وخطب في يوم الجمعة سادس عشر
جمادى الآخرة ، وكان في مدة العمارة يخطب ويصلي الجمعة بظاهره ، وجعلت أبوابه
أحد عشر بابا جدد الآن منها سبعة ، وكانت أبوابه مرتفعة بثلاث درجات بنيت كذلك
خوفا من عبور الدواب إليه فألصقت الآن بالأرض ، وفيها في العشر الأوسط من شهر
رجب ذكر الدرس بمحراب الحنفية بجامع دمشق ، ودرس به الشيخ شهاب الدين
أحمد بن عبد الحق الحنفي ، ورتب معه عشرة فقهاء ، والذي رتبه القاضي فخر الدين
محمد ناظر الجيوش ، وكان قد رتب قبله درسا للمالكية في محراب الصحابة الذي
استقر محراب المالكية ، وفوض تدريسه لقاضي القضاة شرف الدين المالكي ، ورتب
فيه جماعة من الفقهاء المالكية .