كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
وكان موجب خروجهم عن طاعة التتار وغيرهم أن مقدم التتار بالروم - وهو
تمرتاش بن جويان - اجتمع هو وابن قرمان ودخلوا إلى بلاد سيس في أواخر سنة
إحدى وعشرين ، وغاروا وشعثوا ونهبوا ، وعادوا إلى بلادهم ، فتوجه العسكر الآن
ووصل إلى دمشق في يوم الخميس الثامن والعشرين من صفر ، ثم توجه منها إلى
حلب فوصل إليها في العشر الأول من شهر ربيع الأول . وتوجهت العساكر منها إلى
مدينة آياس في أوائل شهر ربيع الآخر ، واستصحبوا المجانيق من بغراس محمولة على
العجل وأعناق الجند .
ولما وصل العسكر إلى ثغر آياس وجد أهلها قد أخلوا المدينة من الأموال
والرجال وغير ذلك ، وبقيت خالية ، فدخلها العسكر بغير ممانع ولا مدافع ، وانتقل
أهلها إلى القلعة ، وهي قلعة مستجدة عمرها الأرمن في أول المائة السابعة ، ولها باب
من جهة البر وبقيتها في البحر ، فتقدم العسكر لمحاصرتها وأخذ النقابون في النقوب
يوما وليلة ، فانتقل من كان بها إلى قلعة هناك في وسط البحر تسمى قلعة أطلس ،
وإلى أبراج ثلاثة ، منها برج مثمن وأشعلوا النيران بالليل فيها ، وأحرقوا ما تركوه بها
من أعواد المجانيق والأمتعة وغير ذلك ، فملكها المسلمون ، وارتفع الصنجف
السلطاني عليها ، وشرع العسكر في إخرابها فعلقها النقابون ، وأطلقت فيها النيران ،
فهدمت في البحر وحصر الأرمن بالقلعة والأبرجة التي في البحر ، والوصول إليها
متعذر لبعدها عن البر ، فنصبت المجانيق السلطانية على القلعة الكبرى ، ونصب
الأرمن أيضا مجانيقهم على العسكر ، وتراموا بها فاتفق الأمراء على أن العسكر يردم
ما بين المدينة وبين القلعة والأبرجة من البحر ، فتعذر عليهم لعمق البحر ، وبعد
المسافة ، فنصبوا جسورا من الأخشاب والبتاتي ، فانتهت إلى مقدار ثلثي المسافة إليها ،
هذا والمجانيق ترمي بأحجارها من كل من الطائفتين ووصل النقابون إلى البرج
المثمن ، فسأل من به الأمان على أن يسلموه فأجيبوا إلى ذلك ، ثم نكثوا ، ورجعوا
عن التسليم ، فوصل المسلمون إليه ، وشرع النقابون في تعليقه ثم يسر الله تعالى
الفتح ، فحصل الاستيلاء على ذلك برا وبحرا في يوم الأحد والعشرين من شهر ربيع
الآخر ، ودخل العسكر إلى بلاد سيس ، وأغاروا ووصلوا إلى قلعة كوارا ، ثم عادت
العساكر المنصورة إلى مستقرها من الممالك ، ولما حصل هذا الحصار أمر الباب
- وهو الحاكم على ملوك الفرنج - من تحت يده وطاعته منهم أن يتوجهوا إلى ثغر

الصفحة 29