كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 32 """"""
السلطان بقطع أخبازهم ، وبيع المماليك الأرقاء والجواري ، وأنعم على ثلاثة منهم
بأخباز غير ما كان بأيديهم قليلة العبرة بالنسبة إلى ما كان بأيديهم ، وعادت الخزانة
التي كان قد جهزها إلى ثغر اللاذقية في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر ، فعرض ذلك
على السلطان ، وكان في جملة ما وجد بها ثلاثة حوايص ذهبا مجوهرة كان قد أعدها
لمن نذكر في جملة خلعه عليهم ، وهم : الملك المؤيد عماد الدين صاحب حماه ،
والأمير سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام والأمير علاء الدين الطنبغا نائب السلطنة
بحلب .
ولما رسم بالحوطة عليه ، وقعت الحوطة على أملاكه وأوقافه وحواصله وغير
ذلك ، فاعترف أن سائر الأملاك التي أنشأها وابتاعها وما وقفه كان قد اشتراها وعمرها
من مال السلطان دون ماله ، فأفاد هذا الاعتراف في الأملاك ، فحكم أنها ملك
السلطان دون ملكه وشهد جماعة من المعدلين أن الأملاك التي وقفها ابتاعها من أموال
السلطان دون ملكه فحكم بإبطال أوقافه ، ونقضت بعدما أبرمت ، وكتبت بذلك مكاتبة
حكمية ثبتت على قضاة القضاة .
ولما اشتد الطلب عليه وخشي على نفسه أن يقتل ، أرسل إلى السلطان يقول :
إن أموال السلطان كثيرة ، وهي مفرقة في أقطار الأرض ، منها ما سفرته إلى بلاد
الإفرنج ومنها ما أرسلته إلى العراق وإلى اليمن وإلى الهند ، ومنها ما هو مفرق بأعمال
الديار المصرية بالوجهين القبلي والبحري ، ومنها ما هو بالشام ، وإذا عدمت عدم ذلك
كله ، وطمع فيه من هو عنده ، فاقتضى ذلك إبقاءه ، وأفرج عنه السلطان ، ورسم أن
يستقر مقامه بتربته التي أنشأها بالقرافة ، فنزل إليها هو وولده علم الدين ، وأقام بها ،
ثم شملته عواطف السلطان ، وأنعم عليه بمبلغ عشرين ألف درهم ، فقبضها ، وأرسل
إليه فرسين من جملة خيله ، وقماش ملبوسه ، والخلع التي كان السلطان قد خلعها
عليه ، وأعيدت إلى الخزانة عند إيقاع الحوطة ، وأفرج عن معصرتين من معاصر
الأقصاب التي كانت له بالوجه القبلي ، ثم رسم السلطان بعد ذلك بسفره إلى الشوبك
يقيم هناك ، ورتب له في كل شهر ألف درهم على حكم الراتب ، فتوجه هو وولده
وأهله وألزامه ، وكان خروجهم في يوم السبت تاسع عشر جمادى الآخرة من السنة ،
فأقام بالشوبك إلى أثناء شهر رمضان من السنة ، وطالع الأمير سيف الدين أرغون نائب
السلطنة ، وسأله أن ينتقل إلى القدس ، فلم يجب إلى ذلك أولا ، ثم تلطف نائب
السطنة في أمره إلى أن رسم بانتقاله إلى القدس الشريف ، فكان وصوله إلى القدس
في يوم الجمعة تاسع عشر شوال ، وأقام إلى أن تغير خاطر السلطان عليه لأسباب
نقلت عنه .

الصفحة 32