كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 34 """"""
فلما كان في ليلة الخميس توجه المتولي بالثغر ، وابن موسك ومن معهما إلى
داره ، وطرق المتولي الباب على كريم الدين فخرج إليه غلام ، فقال له من وراء
الباب : من هذا ؟ فقال : عرف القاضي أن مملوكه فلان حضر " يعني المتولي نفسه "
فأعلمه الغلام ، وعاد ففتح الباب فقال متولي الثغر : فلما صرت من داخل الباب أرسلت الغلام الذي فتح لي الباب إلى الاعتقال ، وخرج غلام ثان ففعلت به كذلك ،
فدخل غلام آخر وأخبر كريم الدين بذلك ، ودخلت في إثره فوجدت كريم الدين على
تخت ، وابنه عبد الله عنده فسلمت عليه ، وقلت لولده عبد الله : يا علم الدين تعالى
إليّ أعرفك ، فلما جاء إليّ أخذته وخرجت من عند أبيه ، فصرخ بي كريم الدين ،
وجعل يقول : يا شمي الدين ، يا شمس الدين ، يكرر هذا القول ، فلم ألتفت إليه ،
ودخل عليه أولئك القوم فخنقوه ، وعلقوه بسلبة بعد أن أغلقوا بينه وبين نسائه بابا ،
وأغلق باب الدار من داخله وتوجه القوم فعرفت ولده الحال ، وقررت معه أن يقول
في بكرة النهار إذا طلب : إنه تخاصم مع أبيه وخرج من عنده ، وأنه حرج منه ، ففعل
ذلك بنفسه ، قال : فلما كان من بكرة النهار توجه المتولي وابن موسك إلى باب دار
كريم الدين ، وطرقوا الباب ، فلم يجبهم أحد ، فتوجه المتولي إلى دار قاضي البلد ،
وهو القاضي شرف الدين شعيب بن القاضي جمال الدين يوسف السيوطي وهو
يصرخ ويقول : هرب كريم الدين ، والله لئن تم هربه لأشنقن بني الكنز ، وأخذ القاضي
وجماعة من العدول وحضروا إلى الدار ، وكسروا الباب ، ودخلوا الدار ، فوجدوا كريم الدين مشنوقا ، فأخبر القاضي شرف الدين المذكور حاكم الثغر بأنه وجد في
عنقه سلبة ليف كانت وشيجة لفرس ، وعليها آثار زبل الدواب ، وطلب ولده ، وسئل
عن خبره ، فقال ما لقنه ؛ أنه تخاصم معه بالأمس وخرج من عنده ، وقد أغضبه ،
فكأنه وجد في نفسه من ذلك فشنق نفسه ، فنظم بذلك مشروح وسير إلى الأبواب
السلطانية في التاريخ المذكور . ودفن بثغر أسوان ولما وصل الخبر بوفاته إلى الأبواب
السلطانية رسم بطلب ولده من ثغر أسوان ، ولما تحقق الناس موته ، وعلموا طلب
ولده خشي من كان عنده وديعة له أن ولده إذا وصل يعترف عليهم ، فظهر من ودائعه
جملة عظيمة منها ما أحضره الأمير علاء الدين علي بن هلال الدولة - فيما بلغني -
ذهب مصكوك بثمانية عشر ألف دينار ، ومصوغ ، وزركش وجوهر قيمته اثنا عشر ألف
دينار ، أحضر صارم الدين أستاذ دار كريم الدين - وهو الذي كان أستاذ دار الأمير

الصفحة 34