كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
ذلك تبع لخاله تاج الدين بن سعيد الدولة ، يأتمر بأمره ، ويتصرف عن رأيه ، ويقف
بين يديه ، وإذا خاطبه تاج الدين لا ينعته غالبا بل يكنيه بأبي الفضائل لا يزيده على
ذلك ، سمعته يخاطبه بذلك ، وكان تاج الدين المذكور قد تمكن في دولة بيبرس
الجاشنكير المنعوت بالملك المظفر ، وكان يباشر نظر الدولة ، ويجلس إلى جانب
نائب السلطنة الأمير سيف الدين سلار بدركاة باب القلة ، ويكتب على سائر ما يكتب
عليه السلطان قبل خط السلطان ما مثاله " يحتاج إلى الخط الشريف " ولا تقدم
الدوادارية للعلامة إلا بعد مشاهدة خطه بذلك ، إلا كتب البريد خاصة ، وكانت
كتب السلطان الملك المظفر إلى النواب والولاة وغيرهم بالشام وغيره لا تختم إلا بعد
عرضها عليه إذا كان فيها ذكر الأموال ، فلما مات تاج الدين بن سعيد الدولة في سنة
تسع وسبعمائة في سلطنة المظفر بيبرس استقر كريم الدين في وظيفته ، فلم تطل المدة
إلى أن خلع بيبرس من السلطنة كما ذكرناه ، فكانت هذه الولاية كسحابة صيف ، أو
زيارة طيف .
ولما توجه المظفر بيبرس إلى الصعيد توجه كريم الدين معه ، فلما استقر
السلطان الملك الناصر بقلعة الجبل حضر كريم الدين إلى الأبواب السلطانية برسالة
مخدومه ، وأعاد الخزانة التي كانت معه ، فخلع السلطان عليه بسبب ذلك ، ثم قبض
عليه لما قبض على بيبرس ، ورسم بمصادرته ، وسلمه السلطان للأمير جمال الدين
آقش الأشرفي ، وأمره باستصفاء أمواله ، وإعدامه بعد ذلك من الوجود ، لما كان يبلغ
السلطان عنه في زمن خدمته لبيبرس الجاشنكير ، عند ذلك بذل كريم الدين الأموال ،
وفرقها فيمن يقبلها من مماليك السلطان وغيرهم ، فأعطى مالا كثيرا ، فيقال : إنه أعطى
للأمير سيف الدين بكتمر الجوكاندار نائب السلطنة يومئذ عشرة آلاف دينار ، وأعطى
غيره ، وأقل ما بذل خمسمائة دينار عينا فيما بلغني ، فمال إليه المماليك السلطانية ،
واعتنوا به ، وتكلم الأمير جمال الدين آقش الأشرفي مع السلطان في أمره ، وتلطف
غاية التلطف من غير أن يأخذ منه مصانعة ، ولا قبل له بذلا ، ولا حسن للسلطان

الصفحة 36