كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
إبقاءه ، وقال للسلطان : هذا مطلع على أموال بيبرس ومتاجره ، وهي كثيرة ببلاد
الفرنج وغيرها ، ومتى مات ضاعت على السلطان ، فلم يزل يتلطف إلى أن رسم
السلطان بالإفراج عنه ، ورسم له أن ينظر الخاص بالوجه القبلي وهو الخاص الذي
كان لبيبرس في زمن إمرته ، وأقر له في السلطنة ، فسأل كريم الدين المذكور
شهاب الدين أحمد بن علي بن عبادة - وكيل الخاص الشريف السلطاني - أن يكون
وكيله فيما يختص بنفسه ، فأجابه إلى ذلك ووكله ، وكان يتردد إلى خدمته في كل
يوم ، ويسلك معه من الآداب ما لا مزيد عليه ، ولا يخرج عن أمره ، وهو مع هذا
يجتمع بالمماليك السلطانية ، ويتقرب إليهم بالهدايا والألطاف ، ويبذل لهم الرغبات ،
فرسم له بنظر ديوان الملك المنصور " علاء الدين علي " ولد السلطان .
ثم مرض شهاب الدين أحمد بن عبادة ومات في سنة عشر وسبعمائة ، فتكلم
الأمراء المماليك السلطانية مع السلطان في أمره ، فوكله وجعله ناظر خواصه على عادة
شهاب الدين بن عبادة ، وذلك في جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة ، فباشر هذه
الوظيفة ، وخدم الأمراء ، وبالغ في ذلك ، وأفرد السلطان لخاصه ثغر الإسكندرية ،
فاستقل كريم الدين بمباشرته ، وانفرد به دون وزير الدولة وغيره ، وأخذ من السلطان
مالا للمتجر ، فحصل منه فوائد كثيرة ، وأخذ أمره في التمكن ، وانتمى إلى الأمير
سيف الدين طغاي الحسامي الناصري ، فكان يحمل إليه الألطاف والتحف ، ويبالغ
في خدمته ، وهو يقربه من السلطان ، ويشكره ، ويذكر محاسنه ، واحتفاله بالمصالح ،
وحسن مباشرته ، فتمكن بذلك عند السلطان ، وظهر اسمه وعلت رتبته ، فعلم أنه لا
يستقيم له ما يرومه ، ويحصل تمكنه على ما في نفسه مع بقاء الوزير ، فتلطف إلى أن
كان من عزل الصاحب أمين الدين ما ذكرناه ، وحسن للسلطان اختصار الوزارة ، وأن
السلطان يشاور في جميع الأمور ، ويتصرف فيها عن أمره ، ويطلع على أحوال دولته ،
ما قرب منها وما بعد ، فوقع ذلك من السلطان بموقع ، ووافق عليه ، واختصرت
الوزارة ، وأضاف السلطان إلى كريم الدين ما كان بيد الصاحب أمين الدين من نظر
البيمارستان المنصوري والقبة والمدرسة ، ومكتب السبيل ، وأوقاف ذلك ، فعندها
استقل كريم الدين بالأمر ، وأظهر القوة برفق ، ولم يزل أمره يأخذ في الازدياد
والظهور والتقدم وعلو الشأن ، وهو مع ذلك يراجع الأمير سيف الدين طغاي ؛ ويتردد

الصفحة 37