كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
إليه ، ولا يخالف أمره ، ثم مال إلى غيره من الأمراء المماليك السلطانية ، ورأى في
نفسه أنه قد كبر على مراجعة طغاي أو غيره ، فظهر ذلك لطغاي ، فتنكر له ، وغضب
لميل كريم الدين إلى غيره ، فأعمل كريم الدين الحيلة والتلطف إلى أن كان من إخراج
طغاي إلى نيابة صفد والقبض عليه ما قدمنا ذكره ، فلم يبق له عند ذلك منازع ولا
مشارك في الكلمة ، ومال السلطان إليه ميلا عظيما ، وقرب منه قربا ما قربه منه أحد ،
ولا سمع بمثله ، حتى ولا ما بلغنا عن الرشيد والبرامكة ما لو شرحناه لطال ، وزاده
السلطان في التشاريف ، فكان يخلع عليه أولا " كنجي " مطلق ثم خلع عليه " كنجي "
منقوشا ثم رفعه عن هذه الرتبة فخلع عليه أطلسا معدنيا أبيض ، وتحتانية أطلس أخضر
بطرز زركش على الفرجتين ، ولم يخلع مثل ذلك على متعمم قبله ، ولا على نائب
سلطنة ، وبلغني أنه رسم له أن يلبس في خلعته الشاش المثمر الذي لا يخلع إلا على
صاحب حماة ، وهو شاش سكندري مقفص بحواش زرق بقبضات ذهب مصري ،
فاستعفى من ذلك .
ثم فوض السلطان إليه بعد ذلك جميع ما بيده من التصرف في الأموال
والولايات ، والبيع والابتياع والنكاح والعتق وغير ذلك ، أقامه في جميع ذلك مقام
نفسه ، وقال السلطان في مجلس عام : " فوضت إليه ما هو مفوض إليّ " . وزاد معلومه
المقرر له على الدولة ، فقرر له ما لم نعلم أنه قرر لمتعمم قبله ، وكان يستدعي من الحوايج خاناه والمطبخ السلطاني ما يحتاج إليه من الطاري ، فيحمل إليه من غير
استئذان أحد ، وأضاف السلطان إليه النظر على أوقاف الجامع الطولوني عوضا عن
قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي ، وكان قاضي القضاة يلي ذلك بشرط
الواقف ، فانتزعه منه ، وفوضه إلى كريم الدين ، فباشره أحسن مباشرة ، وحصل له من
السعادة في مباشرته أنه كان إذا اختلت جهة من الجهات ففوضت إليه صلح أمرها ،
وتميزت أموالها ، وصار هو الآمر في الدولة مصرا وشآما ، وكان أمره يصدر لفظا لا
خطا ، ولا يراجع إذا أمر بولاية أو عزل أو طلاق أو منع أو زيادة أو توفير ، فكان
يرسل إلى القاضي علاء الدين علي بن الأثير صاحب ديوان الإنشاء أن يوقع بكذا ،
أو يكتب بكذا ، فيفعل ذلك من غير مراجعة ولا توقف على استئذان السلطان ، بل
يكتب لوقته ما يأمر به ، ويكتب في آخر المرسوم أو التوقيع حسب الأمر الشريف ،
فتصرف كريم الدين في أموال المملكة وولاياتها ووظايفها بلفظه ، فكان سائر أرباب
الوظائف يتصرفون عن أمره .

الصفحة 38