كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 39 """"""
ولقد انتهى أمره في التعاظم إلى أن حضر الأمير علاء الدين الطنبغا ، نائب
السلطنة بحلب إلى الأبواب السلطانية في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ، وركب في
خدمة كريم الدين إلى داره ، فلما قرب من الدار ترجل عن فرسه ومشى وكريم الدين
راكب ما تغير عن حاله إلى أن انتهى إلى المكان الذي عادته أن يركب منه وينزل فيه ،
وانتهى تمكنه إلى أن ركب السلطان إلى داره ، مرارا ، فركب مرة إلى تربته بالقرافة ،
ونزل ودخل الخانقاه التي أنشأها كريم الدين بها ، وأكل طعامه فيها ، وركب مرة ثانية
إلى داره التي أنشأها ببركة الفيل ، ووقف السلطان بنفسه ، وقسمها المهندسون
بحضوره ، والسلطان يشاركهم في الهندسة والقسمة .
ولقد مرض قبل أن يأمر السلطان بالقبض عليه بأيام ، فأظهر السلطان عليه من
القلق والألم ما لا مزيد عليه ، وكان يرسل إليه في كل يوم جماعة من مماليكه الأمراء
الخاصكية يسألون عنه ، ويعودون إلى السلطان بخبره ، ثم يرسل آخرين بعدهم ،
هذا دأبه في طول نهاره ، وأرسل إليه جملة من المال يتصدق بها في مرضه . ولما
عوفي زينت له القاهرة أحسن زينة ، كما تزين للفتوحات الجليلة ، ولعود السلطان من
الغزوات المنصورة عند هزيمة أعدائه ، وبات الناس بالأسواق ، ونصب في بعض
الجهات أبراج من الخشب ، ولبست الأطلس ، والذهب وغيره ، وكانت الملاهي في
عدة مواضع من القاهرة بالأسواق أياما ، وبظاهر القبة المنصورية ، وفعل مثل ذلك في
مرضه عند عافيته في غير هذه المرة ، وإنما كانت أكثرها احتفالا المرة الأخيرة .
ولما عوفي من المرضة الأخيرة أمر أن يتصدق بقمصان بالبيمارستان من
وقفه ، فاجتمع الفقراء لذلك ، وازدحموا قبل وصوله إلى البيمارستان ، فمات منهم من
شدة الازدحام ثلاثة عشر إنسانا من الرجال والنساء ، وتأخر عن الحضور في ذلك
اليوم . هذه حاله في أمر الدولة والتمكن منها ، والقرب من السلطان ، ونفوذ الكلمة .

الصفحة 39