كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 42 """"""
له ما لا يكون مثله إلا عند أكابر الملوك ، ثم أخذ لنفسه أخيرا بما يفعله الملوك ،
فكان يمد سماطه وأمامه أستاذ الدار ، ومقدم المماليك ، والجاشنكير ،
والمشرف ، ويأكل من ذلك الطعام من حضر من الأكابر وغيرهم ، وهو بارز عنه لا
يأكل منه شيئا ، فإذا رفع ذلك السماط استدعى الطاري بعد ذلك فيأكل منه ، وكان في
ليالي شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة يمد بين يديه السماط الذي لا يمد
لنائب سلطنة مثله ، ويتقدمه المشروب ، ويأكل من حضر السماط من الأعيان وغيرهم ،
فيأكلون بعد المشروب ، ثم تمد الحلوى بعد السماط ، وهو جالس على مرتبته لا
يأكل من ذلك شيئا ، ثم يؤذن للناس في الانصراف ، ويمد له طعام الطاري فيأكل منه ،
وبلغني أنه كان يفعل ذلك في أسفاره إلى الشام وغيره ، وكانت رواتبه وافرة لم يكن
لنائب سلطنة نظيرها ، وعطاياه وصلاته وإنعامه وتشاريفه متواصلة بمن يتعلق بالسلطان
من خواصه وأمرائه ومماليكه وغلمانه ، لا ينقضي يوم إلا وقد أنعم فيه بالجمل
الكثيرة .
وكان الذي أعانه على ذلك أنه تخول في أموال الدولة ، واتسع جاهه ، وكثرت
متاجره ، وتقرب الناس إليه ببذل فوائد المتاجر ، وضايق الناس فيما بأيديهم حتى كان
يرسل كل سنة إلى تجار الكارم - عند وصولهم من اليمن إلى ثغر عيذاب - من يأخذ
منهم جملة من الفلفل بأقل من قيمته بعدن ، ويلزمهم بحمله والقيام بما عليه من
الحقوق والمكوس إلى أن يصل إلى ساحل مصر ، ويقبض منهم ، فإذا وصل تجار
الكارم إلى ثغر الإسكندرية لا يمكنون من البيع على تجار الفرنج إلا بعد بيع ما
عنده ، وحواصله كثيرة جدا فأضر ذلك بالتجار من الكارمية والفرنج حتى لو استمرت
ولايته لأدت إلى انقطاع الواصل عن الديار المصرية ، وكانت له عدة معاصر أقصاب ،

الصفحة 42