كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
واستعفى من المباشرة ، فرسم له بالإقامة بالقدس الشريف ، فأقام هناك ، ورتب له على
سبيل الراتب في كل شهر ثمانمائة درهم وثمانية غراير ، فلم يزل بالقدس الشريف إلى
أن قبض على كريم الدين كما تقدم ، فرسم السلطان بطلبه إلى الأبواب العلية ، وكتب
بذلك إلى نائب السلطنة الشريفة بالشام على يد الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي ،
فتوجه إلى دمشق ، وأرسل إليه البريد منها ، فحضر إلى الأبواب السلطانية .
وكان وصوله في بكر نهار الأحد الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة
ثلاث وعشرين وسبعمائة ، فمثل بين يدي المقام الشريف ، فأقبل عليه غاية الإقبال ،
وألبسه تشريفا ، ونزل إلى داره ، فلم يستقر به الجلوس حتى طلبه ثانيا ، ففوض إليه
الوزارة ، وأنعم عليه بالدواة والبغلة ، وأقام بالقلعة إلى عشية النهار ينفذ الأشغال ، ثم
ركب منها إلى داره واجتمع الناس ببابه ، وامتلأت الأزقة والشوارع والرحبة التي أمام
الدار على سعتها ، وازدحموا حتى كاد يعجز عن الوصول إلى باب داره والدخول إليها
إلا بجهد كبير .
وأصبح في يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر ، وركب في موكب
الوزارة ، وجلس بدار العدل الشريف مع السلطان إلى أن انقضى المجلس ، وقام إلى
قاعة الوزارة ، وفتح له الشباك بها ، وكان قد أغلق بعد عزله عن الوزارة ، فلم يفتح إلا
في هذا اليوم ، فجلس فيه ، وأظهر الإحسان إلى الناس ، ونشر فيهم العدل ، ووعدهم
عن نفسه وعن السلطان بكل جميل ، فسر الناس بمقدمه ، وازدحموا عليه حتى منعوه
من تنفيذ أشغال الدولة ، فكانت قلعة الجبل تغص بالناس من أرباب الأشغال
والوظائف والبطالين والمتفرجين ، إلى أن رسم بمنع كثير من العوام من طلوع
القلعة ، وأقام على ذلك أياما حتى خف الناس ، ولما ركب إلى مصر في يوم الثلاثاء
السادس والعشرين من الشهر تلقاه الناس بالفرح والسرور والدعاء له ، وازدحموا عليه
فيما بين مصر والقاهرة ، حتى امتلأت بهم الطرق .
ولما استقر في الوزارة رسم للقاضي شرف الدين عبد الهادي بن زنبور مستوفي
الصحبة أن يكون ناظر النظار والصحبة ، رفيقا للقاضي موفق الدين ، ورتب في استيفاء
الصحبة القاضي شمس الدين بن قروينة وهو صهر الصاحب أمين الدين على ابنته ،
وأحضر الصاحب جماعة من أصحاب كريم الدين وألزامه ، فصادرهم بمال حمل من
جهتهم إلى بيت المال ، وكان في الطلب لين ، ثم أفرج عنهم في أثناء جمادى
الآخرة .

الصفحة 44