كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
ذكر القبض على كريم الدين الصغير
" وشيء من أخباره "
كان كريم الدين هذا يخدم الأمراء الأصاغر ، وكان ممن خدمه الأمير علاء الدين
أيدغدي التليلي أستاذ دار الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، وهو من أمراء الأربعين ،
ثم توصل إلى أن باشر من جملة عمال الجيش بالديار المصرية ، فلما قوي أمر
كريم الدين - وهو من أقاربه - نقله من عمالة الجيش إلى نظر النظار والصحبة ليس
بين ذلك وظيفة أخرى ، فباشر مدة ، ثم عزل عن نظر النظار خاصة ، ثم أعيد إلى
الوظيفة ثانيا كما تقدم ، فلما باشر عسف بالناس وظلمهم ، واستخف بالأكابر ، وشدد
على المباشرين والتجار والرعايا ، وعاقب بين يديه ، واقترح نوعا من العقوبة سماه
" المقترح " ، وبسط يده ولسانه في أبشار الناس وأعراضهم حتى ضاقوا بذلك ذرعا ،
وبلغت منهم القلوب الحناجر ، وهو لا يزداد إلا تماديا ، واستخفافا بخلق الله تعالى ،
ثم ترقى عن ذلك إلى الاستخفاف بأمراء الدولة الأكابر مقدمي الألوف ، وتزايد ظلمه
وتفاحش ، وضرب جماعة بين يديه حتى ماتوا ، وكان إذا علم أنه يشتكى إلى السلطان
من أمر من الأمور بادر بالدخول إلى السلطان ، وأنهى إليه أنه فعل كذا وكذا مما يعود
نفعه على الدولة ، وأن الناس قد كرهوه وربما شكوه ، وأنه لا غرض له إلا في
مصلحة السلطان ، ويقرر معه ذلك ، فإذا اشتكى للسلطان لا يسمع فيه شكوى ، ولا
يلتفت إلى قول قائل ، ويقرر في ذهن السلطان أنه أنصح الناس له ، وأن سائر الناس
كرهوه بسبب نصحه للسلطان ، وتحصيل أمواله ، فبقي لا يسمع فيه شكوى ، فكف
الناس عن شكواه .
فلما قبض السلطان على كريم الدين الكبير ، استمر هذا على وظيفته في النظر
إلى آخر يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الآخر ، فرتبه السلطان في صحابة ديوان
الجيوش المنصورة عوضا عن القاضي معين الدين هبة الله بن حشيش ، وخلع عليه
على عادة من تقدمه ، وباشر الوظيفة في يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر ، وأعيد
القاضي معين الدين إلى نظر الجيوش بالشام عوضا عن قطب الدين بن شيخ
السلامية ، واستمر كريم الدين في هذه الوظيفة ، وهو مع ذلك يكتب على عادته في
نظر الدواوين ، وينفذ الأشغال إلى أن حضر الصاحب أمين الدين وفوضت إليه

الصفحة 45