كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 53 """"""
ذكر خبر النيل في هذه السنة
وفي سنة أربع وعشرين وفى النيل المبارك بمقياس مصر في يوم الأربعاء تاسع
شعبان الموافق للثامن من مسرى ، وحصل التحليق والكسر في يوم الخميس عاشر
الشهر ، ثم أخذ في الزيادة على تدريج إلى أن انتهى إلى ثمانية عشر ذراعا وتسعة
عشر أصبعا بمقياس مصر ، ولم ينته في الزيادة في هذا العصر إلى مثل هذه الغاية ،
فغرقت البساتين والأقصاب ، وفاض الماء على الجروف حتى أخبرني جماعة ممن
حضر من الصعيد الأعلى أنهم سافروا من مدينة قوص إلى ساحل مصر لم يجدوا من
السواحل ما يضرب فيه أوتاد المراكب إلى ساحل أخميم ، وكوما بمنية بنى خصيب ،
وما عدا ذلك من السواحل فإن الماء طما عليها ، وثبت الماء على ذلك زمنا ، حتى
خشي الناس من بقائه ، ثم أخذ في الهبوط عند الحاجة إلى نقصه ، فانكشفت
الأراضي ، وزرع الناس ، ولولا هذا الثبات - الذي كره الناس - كان قد شرق جملة من
الأراضي مع وجود هذه الزيادة العظيمة ، فإن سائر الجسور التي تحبس المياه تقطعت
وخرج الماء منها ، فلما حصل ثبات النيل بقي الماء على المزارع ، حتى استوفت حقها
من الري ، فسبحان اللطيف الخبير القادر .
وقد ذكرنا في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة - في أيام الحافظ عبد المجيد -
أن زيادة النيل انتهت إلى تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع بمقياس مصر ، وبسبب هذه
الزيادة العظيمة في سنتنا هذه شرق إقليم الفيوم ، لأن سكر النهر انقطع ، وخرج الماء
بجملته إلى البحيرة ، فغرق ما حولها ، وشرق ما سوى ذلك ، واجتهد السلطان بعد
ذلك في إصلاح السكر ، وندب لذلك الأمير سيف الدين بكتمر الحسامي الحاجب
- كان - وهو من أكابر أمراء المشورة الذين يجلسون في مجلس السلطان ، فأصلحه
وأتقنه إتقانا جيدا ، فتدارك الناس بسبب إصلاحه زراعة الصيفي خاصة بإقليم الفيوم .
وفيها - في شهر ربيع الآخر - وصلت رسل الملك أزبك متملك صراي

الصفحة 53