كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 68 """"""
ومات أبو الجيش في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة عن طفل اسمه عبد الله ،
وقيل زياد ، فتولت كفالته أخته هند بنت أبي الجيش وعبد لأبيها يسمى رشدا ، أستاذ
حبشي ، فقام بأمر الطفل ، فلما مات رشد قام بكفالته حسين بن سلامة ، وصيف من
أولاد النوبة ، وينسب إلى أمه ، وقد كان هذبه رشد وأحسن تأديبه ، فخرج حازما عفيفا
وقام بالأمر ، ووزر لولد أبي الجيش وأخته ، وكانت دولتهم قد تضعضعت أطرافها ،
وغلبت ملوك الجبال على الحصون والمخاليف ، فقام الحسين بحربهم حتى استرجع
أكثر مملكة ابن زياد الأولى ، واختط مدينة الكدرا أعلى وادي سهام ، ومدينة المعقر
على وادي ذؤال ، وكان عادلا في الرعية ، كثير الصدقات ، وأنشأ الجوامع الكبار ،
والمنارات الطوال والقلب العادية في المفاوز المنقطعة ، وبنى الأميال والفراسخ والبرد
على الطرقات من حضرموت إلى مكة شرفها الله تعالى .
ومات حسين في سنة اثنتين وأربعمائة ، وقد انتقل الأمر إلى طفل آخر من آل
زياد ، فتولت كفالته عمة له وعبد أستاذ اسمه مرجان من عبيد الحسين بن سلامة ،
وكان له عبدان فعلان من الحبشة رباهما صغيرين ، وولاهما الأمور كبيرين ، أحدهما
يسمى نفيسا جعل إليه تدبير الحضرة ، والثاني يسمى نجاحا ، وهو والد سعيد الأحوال
وجياش ، وكان يتولى أعمال الكدرا والمهجم ومور والواديين ، فوقع التنافس بين نجاح
ونفيس على وزارة الحضرة ، وكان نفيس غشوما مرهوبا ، ونجاح ذا رفق بالناس عادلا
محببا إلى الرعية ، وكان مولاهما مرجان يميل إلى نفيس ، فنمى إلى نفيس ، أن عمة
ابن زياد تكاتب نجاحا ، وتميل إليه ، فأعلم مولاه ، فأمره بالقبض عليها وعلى ابن
زياد ، فقبض عليهما ، وبنى عليهما جدارا وهما حيان يناشدانه الله حتى ختم عليهما ،
فكان بموت هذا الصبي انقراض دولة بني زياد ، وكانت مائتي سنة وثلاثا وستين سنة .
وكان بنو زياد قائمين بخدمة خلفاء الدولة العباسية ، وتولى صلتهم بالهدايا
والأموال ، فلما اختل أمرهم ، وغلب أهل الأطراف على ما بأيديهم ، فغلب بنو زياد
على ما بأيديهم من أعمال اليمن ، وركبوا بالمظلة ، وساسوا قلوب الرعية بإبقاء الخطبة
العباسية .
قال : " ولما بلغ نجاحا ما فعله نفيس في مواليه استنفر الناس ، وجمع العرب
وقصده بزبيد ، فجرت بينهما عدة وقائع قتل نفيس في آخرها على باب زبيد ، واستولى
نجاح على زبيد في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وقال نجاح لمرجان مولاه : ما فعل
مواليك وموالينا ؟ قال : هم في ذلك الجدار فأخرجهما وصلى عليهما ، وجعل مرجان
في موضعهما وبنى عليه حيا ، وركب بالمظلة ، وضربت السكة باسمه ، وكاتب أهل
العراق ، وبذل لهم الطاعة .

الصفحة 68