كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
ذكر أخبار دولة علي بن محمد الصليحي
وفي ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ظهر علي بن
محمد الصليحي واستولى على اليمن في أقرب مدة داعيا إلى الدولة العبيدية ، وكان
من خبر قيامه وابتداء أمره أنه لما مات المنصور الحسن بن زادان صاحب مسور الذي
قدمنا ذكره - وهو أحد الداعيين لبني عبيد الله في سنة اثنتين وثلاثمائة - كما ذكرنا -
استخلف على أهل دعوته رجلا من بني شاور يقال له " عبد الله بن عباس " وابنه
حسين بن المنصور ، وأمرهما بالمحافظة على دينهما ، وألا يقطعا دعوة بني عبيد الله ،
وأمرهما بمكاتبة المهدي ، فإذا ورد أمره بولاية أحدهما سمع الآخر له وأطاع ، وكان
المهدي يعرف عبد الله بن عباس فكتب إليه ابن عباس يعرفه وفاة المنصور ، وأنه قد
قام بالدعوة فوصلت إليه كتب المهدي بولايته ، وعزل أولاد المنصور ، وبعث إليه سبع
رايات ، فسار أبو الحسين بن المنصور إلى المهدي بإفريقية ، فأمره بطاعة ابن عياش
وقد أيس من الرئاسة ، فعمل على قتل ابن عياش فنهاه أخوته فلم ينته ، واستولى على
الأمر ، ولم يدع مكاتبة المهدي ، ثم خرج أبو الحسين بن منصور إلى عين محرم ،
وفيه رجل من قبله يقال له ابن العرجي واستخلف على مسور إبراهيم بن عبد الحميد
السباعي ، وهو جد بني المنتاب ، فوثب ابن العرجي على أبي الحسين فقتله ، فاستولى
إبراهيم على مسور ، وادعى الأمر لنفسه ، وأخرج أولاد المنصور وحريمهم عن مسور
إلى جبل بني أعسب ، فوثب عليهم المسلمون ، فقتلوهم الصغير والكبير ، وسبوا
حريمهم .
ثم اتفق إبراهيم وابن العرجي ، فاقتسما المغرب نصفين ، لكل واحد منهما ما
يليه ، ورجع إبراهيم إلى مذهب السنية ، وخطب للخليفة العباسي ، وتتبع القرامطة
بالقتل والسبي ، ونصب من بقي منهم داعيا يعرف بابن الطفيل ، فقتله إبراهيم ، ثم
مات إبراهيم ، فولى بعده ابنه المنتاب بن إبراهيم ، وانتقلت الدعوة الخبيثة بعد ابن
الطفيل إلى رجل يعرف بابن أقحم ، فخاف على نفسه من المنتاب ، فكان لا يستقر في
موضع واحد ، وكاتب المعز بعد وصوله إلى مصر ، فلما حضرته الوفاة استخلف رجلا
من شبام يعرف بيوسف بن الأسد ، فأقام دعوتها مدة حياته ، واستخلف رجلا من شبام
اسمه سليمان بن عبد الله الزواحي من حمير ، فدعا إلى الحاكم ومن بعده ، وكان كثير
المال والجاه ، فاستمال الرعاع والطغام إلى مذهبه ، وكان إذا همّ به المسلمون يقول :
" أنا رجل مسلم فكيف يحل قتلي ؟ " ، وكان فيه كرم نفس ، وإفضال على الناس .