كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
وكان الصليحي كثير الاختلاط به ، والحظوة لديه ، فتفرس فيه ، فلما حضرته
الوفاة أوصاه بالدعوة ، وأعطاه مالا كثيرا كان قد جمعه من أهل دعوتهم ، وأقام
الصليحي باليمن دليلا للحاج على طريق السراة خمس عشرة سنة ، وهو مع ذلك
يعمل الحيلة في ظهور أمره ، فطلع مسارا ، وهو أعلى ذروة في جبال حراز ، ومعه
قوم قد بايعوه على الموت ، فأحاط بهم جميع أهل حراز ، وتهددوه بالقتل ، فدافعهم
بالحيل ، وقال : إنما لزمته خوفا أن يلزمه الغير فتلحقنا جميعا المضرة ، ولم يمض
عليه أشهر حتى بناه وحصنه وأمره يستفحل ، وشأنه يظهر ، فلما ظهر بمسار - ومعه
قوم من الحجاز وسنحان ويام وجشم وهبرة - حصره جعفر بن القاسم في الأحبوش ،
وهم خلق كثير ، ورجل يسمى جعفر بن العباس شافعي المذهب سار مع جعفر
لحصاره في ثلاثين ألفا ، فأوقع الصليحي بجعفر بن العباس في محطته في شعبان من
السنة ، فقتله في جمع عظيم ، فتفرق الناس عنه ، ثم طلع إلى جبل حضور فافتتحه ،
وأخذ حصن يناع ، وجمع له ابن أبي حاشد صاحب صنعاء فالتقوا بصوف ، فقتل ابن
أبي حاشد وألف رجل ، وسار إلى صنعاء فملكها ، وطوى اليمن طيا بسهله وجبله .
وفي سنة خمس وخمسين وأربعمائة استقر ملك الصليحي بجميع اليمن من مكة
إلى حضرموت سهلها وجبلها ، واستقر بصنعاء ، وأسكن معه ملوك اليمن الذين أزال
ملكهم ، واختط بصنعاء عدة قصور ، واستعمل صهره - أخا زوجته - أسعد بن شهاب
على زبيد ، فدخلها في سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وأحسن سيرته في الرعية ،
وفسح لأهل السنة في إظهار مذاهبهم ، وكان يحمل من تهامة إلى صنعاء في كل سنة
- بعد أرزاق الجند الذين بها وغير ذلك من الأسباب اللازمة - ألف ألف دينار عينا .
ذكر مقتل الصليحي وقيام ابنه المكرم
وفي سنة تسع وخمسين وأربعمائة توجه الصليحي إلى مكة شرفها الله تعالى ،
واستخلف ابنه المكرم على الملك ، وسار في ألفي فارس منهم من آل الصليحي مائة
وستون رجلا واستصحب معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم خوفا أن يثوروا بعده في
البلاد ، وسار حتى نزل بظاهر المهجم بضيعة تعرف بأم الدهيم وبئر أم معبد ، وخيمت
عساكره حوله ، فلما كان في الثاني عشر من ذي القعدة لم يشعر الناس في نصف
النهار إلا وقد قيل لهم قتل الصليحي .
وكان سبب قتله أنه لما استولى على زبيد في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ،
وقتل صاحبها نجاحا بالسم ، وكان قد أهدى له جارية وأمرها فسمته ، فهرب أولاد