كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 85 """"""
وثب سعيد الأحول ، فطرد أسعد بن شهاب من زبيد فلحق بابن أخته ، واستولى سعيد
الأحول على زبيد والأعمال التهامية بها إلى أن تحيلت الحرة السيدة على قتله ، فأمرت
والي الشعر أن يكاتبه ، ويباطنه أنه يسلم إليه جبل الشعر ، ومنه يستولي على الحرة وما
بيدها من الأعمال ، فطمع في ذلك فخرج للميعاد ، وأمرت الحرة ملوك اليمن الأعلى
بحشد عساكرهم وراءهم ونزولهم من الجبال المطلة على زبيد ، وأن يطووا المراحل
خلف سعيد ، فلما صار تحت الشعر أطبقت عليه جيوش العرب وجيوش الحرة ، فقتل
هو وأكثر من معه ، وذلك في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة .
وعادت زبيد إلى المكرم ، وأعادت الحرة إليها أسعد بن شهاب ، ثم انتزعها منه
" جياش بن نجاح " أخو سعيد ، وذلك أنه كان عند مقتل أخيه ببلاد الهند ، وكان قد
توجه إليها متنكرا في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، فلما عاد وجد أخاه قد قتل ،
وخرجت زبيد عنهم ، فدخل زبيد متنكرا ، ولم يزل يتحيل ويتلطف حتى اجتمع له من
مواليه وأصحابه خمسة آلاف حربة ، وساعده على ظهوره علي ابن القم الشاعر ، وكان
وزيرا لأسعد بن شهاب ، فوثب بزبيد ، وملكها وأعانه عوام المدينة ، وأتى بأسعد بن
شهاب أسيرا ، فأكرمه وأطلقه ، وكان جياش قد أحضر معه جارية من الهند حاملا ،
فولدت له ابنه فاتكا ، وفي ساعة وضعها كان وثوبه بزبيد ، ولم يزل جياش في ملك
زبيد وتهامة من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة إلى سنة ثمان وتسعين ، فمات في
ذي الحجة منها ، وقيل في شهر رمضان سنة خمسمائة . قال : والأول أظهر ، وخلف
من الأولاد الفاتك - ابن الهندية - ومنصورا وإبراهيم وعبد الواحد والذخيرة ومعاركا ،
فولى بعده ابنه الفاتك ، وخالف عليه أخوه إبراهيم ، وخالف عليه أيضا أخوه
عبد الواحد ، وجرت بينهم وقائع وحروب ، فظفر فاتك بأخيه عبد الواحد ، فعفا عنه ،
وأكرمه ، ونزل إبراهيم بن جياش بأسعد بن وائل بن عيسى الوحاظي ، فأكرمه إكراما
عظيما ، وكانت عبيد فاتك بن جياش قد عظم شأنهم ، وكثروا واشتدت شوكتهم ، ثم مات فاتك في سنة ثلاث وخمسمائة ، وترك ولده المنصور بن فاتك صغيرا ، فملكه
عبيد أبيه ، وحشد إبراهيم بن جياش بعد موت أخيه فاتك ، فتواقعوا ، وحين خلت
زبيد منهم وثب بها عبد الواحد بن جياش فملكها ، وحاز دار الإمارة ، فأخرج
الأستاذون والوصفان مولاهم منصور بن فاتك ودلوه من سور البلد خوفا عليه ، ولحق
بعبيد أبيه .
ولما بلغ إبراهيم بن جياش أن أخاه عبد الواحد قد حصل على زبيد وسبقه
إليها ، توجه إلى الحسين بن أبي الحفاظ الحجوري .

الصفحة 85