كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 86 """"""
وأما عبيد فاتك ، فإنهم توجهوا بالمنصور ابن مولاهم ، ونزلوا بالملك
المفضل بن أبي البركات الحميري صاحب التعكر ، وبالحرة السيدة بنت أحمد
الصليحي بذي جبلة ، فأكرما مثواهم ، والتزم عبيد فاتك للمفضل بريع البلاد على
نصرتهم على " ابن جياش " فأخرجه من زبيد ، وملكهم إياها ، وهمّ المفضل أن يغدر
بآل فاتك ، ويملك البلاد ، فبلغه ما كان من أمر الفقهاء ، واستيلائهم على حصن
التعكر ، ففارق زبيد ، وتوجه إليهم ، وكان من أمر وفاته ما قدمناه .
واستقر الأمر بتهامة للمنصور بن فاتك وعبيد أبيه ، فمن أولاد فاتك الأمراء ومن
عبيده الوزراء ، فأما الأمراء فمنهم المنصور بن فاتك ، ثم فاتك بن المنصور وهو ابن
الحرة الصالحة الحاجة .
ثم مات فاتك بن منصور ، فانتقل الأمر إلى ابن عمه ، واسمه أيضا الفاتك بن
محمد بن منصور بن فاتك بن جياش في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ، وقتله عبيده
في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وعنهم زالت الدولة إلى علي بن مهدي الخارج
باليمن في شهر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، ولم يكن لأولاد فاتك بن
جياش من الأمر شيء سوى النواميس الظاهرة ، من الخطبة لهم ، بعد بني العباس ،
والسكة ، والركوب بالمظلة في أيام الموسم ، وعقد الآراء في مجالسهم ، وما عدا
ذلك من الأمر والنهي والتدبير وإقامة الحدود ، وإجازة الوفود ، فلعبيدهم الوزراء ،
وهم عبيد فاتك بن جياش ، وعبيد منصور ابنه .
وأول من وزر منهم أنيس الفاتكي ، وكان من بطن في الحبشة يقال لهم
الجرليون ، وملوك بني نجاح من هذا البطن ، وكان أنيس هذا جبارا غشوما مهوبا ،
وبنى قصورا عظيمة ، ولما اشتدت شوكته عزم على قتل مولاه المنصور بن فاتك ،
وتهيأ للاستقلال بالملك ، فبدره ابن مولاه ، بأن عمل وليمة واستدعاه ، فقطع رأسه
واستصفى أمواله . ووزر بعده الشيخ أبو منصور منّ الله الفاتكي ، وكان كريما شجاعا ،
وله وقعات مشهورة في العرب ، ومآثر مذكورة ، ولما وزر لمنصور بن فاتك بن جياش
في سنة تسع عشرة وخمسمائة لم يقدم شيئا على قتل منصور ابن مولاه بالسم ، وملّك
ابنه فاتك بن منصور ، وهو طفل صغير ، ثم تعرض إلى حريم مولاه ، فيقال : إن
منصور بن فاتك وأباه فاتك بن جياش ، وغيرهما من آل نجاح ، ماتوا عن أكثر من
ألف سرية ، ما منهن واحدة سلمت من الوزير " من الله " إلا عشرة نساء من حظايا
منصور بن فاتك منهن الحرة الملكة أم فاتك بن المنصور الملك ، وكانت من جواري
الوزير أنيس ابتاعها منصور من ورثته ، وكانت حبشية مغنية ، واسمها علم ، فخرجت

الصفحة 86