كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 87 """"""
امرأة صالحة خيرة كانت تحج بأهل اليمن برا وبحرا في خفارتها من الأخطار
والمكوس ، فاعتزلت القصر ، وسكنت خارج المدينة ، وبنت لها دارا . هذا والملك
ولدها .
قال : ولما أراد الله تعالى هلاك الوزير " منّ الله " حاول بنت معارك بن جياش
وراودها ، وكانت موصوفة بجمال ، فافتدت نفسها منه بأربعين بكرا فذكرت ذلك لعبيد
عمها فاتك ، وعبيد ابن عمها منصور بن فاتك فهابوه ، ولم يقدروا على شيء فقالت
لهم الحرة أم أبي الجيش - وكانت مولدة ذات جمال - : أنا أكفيكموه ، ثم أرسلت إلى
الوزير منّ الله تقول له : " إنك أسأت السمعة علينا وعليك فيما تقدم ، ولو كنت
أعلمتني خدمتك أتم خدمة ، ولم يعلم بك أحد ، ففرح الوزير بذلك ، وتواترت
الرسائل بينه وبينها ، حتى قال : فإني أزورك في هذه الليلة إلى دارك متنكرا ، فقالت
لرسوله : إن الله قد أجل قدر الوزير عن ذلك ، بل أنا أزوره في داره ، وأتته عند
المساء ، فغنته وشرب وطرب ، فيقال : إنها مكنته من نفسها ، فوقع عليها ، فلما فرغ
مسحته بخرقة مسمومة ، فتهرأ ومات من ليلته ، فدفنه ولده منصور في إسطبله ، وسوى
به الأرض ، فلم يعرف له قبر ، وكانت وفاته في ليلة السبت خامس عشر جمادى
الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة .
ثم وزر بعده لفاتك بن منصور زريق الفاتكي " وكان شجاعا كريما ، وكان له من
الأموال والأراضي ما لا تحصى قيمته ، وكان له ثلاثون ولدا إلا أنه لم يكن له نفاذ
في سياسة العسكر ، ولا خبرة بإقامة نواميس السلطنة ، فاستقال من الوزارة ، واستدعى
لها الوزير أبا منصور مفلحا الفاتكي ، وهو من بطن من الحبشة يقال لهم " سحرت " ،
وكان يكنى بولده منصور ، وكان منصور هذا من الأعيان أهل الخبرة والفقه والأدب
والصباحة والسماحة والشجاعة والرئاسة الكاملة ، وكان مفلح ينبز في صغره " بالبغل " ،
وكان يقال : " مفلح البغل " ولا يغضب من ذلك ، وكان عفيفا لم تعلم له صبوة في
صغر ولا كبر ، ولما عظم شأنه في الوزارة ثقل على أهل الدولة ، فتحيل في إخراجه ،
فأخرج من الوزارة ، وكانت له حروب مع سرور الفاتكي ، ثم مات في سنة سبع
وعشرين وخمسمائة .
وكان لمنصور ابنه مع العساكر حروب ، ثم خذله أصحابه وتفللوا عنه ، فاستأمن
إلى القائد " سرور " ودخل معه إلى زبيد ، والوزير يومئذ " إقبال " الفاتكي ، فخلع على
منصور ، وأنزله في دار أبيه ، ثم قبض عليه من الغد ، وقتل في دار الوزير " إقبال " ،
فأنكر الملك فاتك ذلك ، وهمّ بإقبال ، ثم أبقاه على دخن ، فتلطف إقبال ، حتى سقى
مولاه فاتكا السم ، فمات فاتك بن منصور في شعبان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة .

الصفحة 87