كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 88 """"""
ومنهم القائد " أبو محمد سرور الفاتكي " وجنسه من الحبشة " أمحرة " ، وكانت له
مآثر وصدقات وصلات يطول الشرح بذكرها . وكان كثير الصلاة والعبادة والخير
والبر ، فكانت هذه حاله من سنة تسع وعشرين وخمسمائة إلى أن قتل في مسجده
بزبيد في الركعة الثالثة من صلاة العصر يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رجب سنة
إحدى وخمسين وخمسمائة ، قتله رجل يقال له " محرم " من أصحاب علي بن مهدي ،
ثم قتل قاتله في تلك العشية بعد أن قتل جماعة من الناس ، ولم تلبث الدولة بعد قتله
إلا يسيرا حتى أزالها علي بن مهدي ، وملك زبيد وأعمالها في سنة أربع وخمسين
وخمسمائة ، في آخر يوم من شهر رجب .
ذكر أخبار دولة علي بن مهدي الحميري وبنيه
وهم من أهل قرية يقال لها العنبرة من سواحل زبيد ، وكان أبوه رجلا صالحا
سليم القلب ، ونشأ ولده علي هذا على طريقة أبيه في العزلة والتمسك بالصلاح ،
وحج وزار ولقي حاج العراق وعلماءها ووعاظها ، وتضلع في معارفهم ، وعاد إلى
اليمن ، فاعتزل وأظهر الوعظ ، وإطلاق التحذير ، من صحبة العسكرية ، وكان فصيحا
صبيحا أخضر اللون طويل القامة مخروط الجسم بين عينيه سجادة ، حسن الصوت ،
طيب النغمة ، حلو الإيراد ، غزير المحفوظات ، قائما بالوعظ والتفسير وطريقة
الصوفية ، وكان يحدث بشيء من أحواله المستقبلات فيصدق ، وكان ذلك من أقوى
عدده في استمالة قلوب العالم ، وظهر أمره بساحل زبيد بقرية العنبرة وقرية واسط
وقرية القضيب والأهواب والمقتفى وساحل الفازة وكان يتنقل بينها . وكانت عبرته لا
ترقأ على ممر الأوقات ، ولم يزل يعظ الناس في البوادي من سنة إحدى وثلاثين
وخمسمائة فإذا دنا الموسم خرج حاجا على نجيب له إلى سنة ست وثلاثين
وخمسمائة .
ثم أطلقت الحرة أم فاتك ابن منصور له ولإخوته وأصهاره ومن يلوذ بهم خراج
أملاكهم ، فلم تمض بهم هنيهة حتى أثروا ، واتسعت حالهم ، فركبوا الخيل .
ثم حالفه قوم من أهل الجبال على النصرة ، فخرج من تهامة إليهم في سنة ثمان
وثلاثين ، فجمع جموعا تبلغ أربعين ألفا ، وقصد بهم مدينة الكدراء ، فلقيه القائد
إسحاق بن مرزوق السحرتي في قومه ، فهزموا أصحابه ، وقتلوا خلقا من جموعه ،
وعفوا عن أكثرهم ، وعاد ابن مهدي إلى الجبال ، وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين

الصفحة 88