كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
وخمسمائة ، ثم كاتب الحرة بزبيد ، وسألها في ذمة له ولمن يلوذ به ، ويعود إلى
وطنه ، ففعلت له ذلك على كره من أهل دولتها ، ومن فقهاء عصرها ، ليقضي الله أمرا
كان مفعولا .
وأقام ابن مهدي يستغل أملاكه سنين عدة ، وهي مطلقة الخراج ، فاجتمع له من
ذلك مال ، وكان يقول في وعظه : " أيها الناس ، دنا الوقت ، أزف الأمر ، كأنكم بما
أقول لكم وقد رأيتموه عيانا " ، فما هو إلا أن ماتت الحرة في سنة خمس وأربعين
حتى أصبح في الجبال في موضع يقل له الداشر " من بلاد خولان " ثم ارتفع منه إلى
حصن يقال له الشرف ، وهو لبطن من خولان ، يقال لهم خيوان - بإسكان الياء -
وسماهم الأنصار وسمى كل من صعد معه من تهامة المهاجرين ، ثم ساء ظنه بكل
أحد ممن معه خوفا على نفسه ، فأقام للأنصار رجلا من خولان يسمى سبأ بن يوسف
وكناه " شيخ الإسلام " وللمهاجرين رجلا يسمى التويتي لقبه أيضا شيخ الإسلام ،
وجعلهما نقيبين على الطائفتين ، ولا يخاطبه ولا يصل إليه أحد سواهما ، وربما
احتجب فلا يرونه وهم يتصرفون في الغزو ، فلم يزل يغادي الغارات ويراوحها على
تهامة حتى أخرب الحزوز المصاقبة للجبال ، والحبشة يومئذ تبعث الأبدال في
المراكز ، فلا يغنون شيئا ، فلم يزل ذلك دأبه مع أهل زبيد إلى أن أخلى جميع أهل
البوادي ، وقطع الحرث ، ومنع القوافل ، وكان يأمر أصحابه أن يسوقوا الأنعام
والقوافل ، وما عجز عن السير عقروه ، ففعلوا من ذلك ما أرعب وأرهب ، وقضى
بخراب الأعمال ، ثم توجه إلى الداعي محمد بن سبأ صاحب عدن إلى مدينة ذي جبلة
في سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، يستنجده على أهل زبيد ، فلم يجبه إلى ذلك ، فعاد
إلى حصن الشرف ، ودبر في قتل القائد " سرور الفاتكي " فقتل في سنة إحدى وخمسين
وخمسمائة كما تقدم .
وانشغل رؤساء زبيد بالتنافس والتحاسد على رتبة القائد سرور ، فكان ذلك مما
أعان ابن مهدي ، وفارق ابن مهدي حصن الشرف ، وهبط إلى الداسر ، وبينه وبين
زبيد أقل من نصف يوم ، فانضمت إليه الرعايا وعرب البلاد ، فلما كثر جمعه زحف
إلى زبيد في جموع لا تحصى كثرة وحصر أهل زبيد بها ، فصبروا ، وقاتلوه اثنين
وسبعين زحفا يقتل من أصحابه مثل ما يقتل منهم ، واشتد بهم الضر والبلاء والجوع
حتى أكلوا الميتة ، فاستنجدوا بالشريف الزيدي ثم الرسي ، أحمد بن سليمان صاحب
صعدة ، وشرطوا له أن يملكوه عليهم ، فقال : " إن قتلتم مولاكم فاتكا حلفت لكم

الصفحة 89