كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 9 """"""
ولما اتصل خبر هدمها بالسلطان غضب ، لانتهاك حرمة السلطنة ، وتجرّى العوام
وإقدامهم على هذا الأمر ، ثم لم يكتف العوام بذلك إلى أن تقدموا إلى عدة كنايس ،
بالقاهرة ومصر ، فنهبوها ، ونبشوا قبور بعض أموات النصارى وحرقوهم ، وشعثوا
الأبنية ، واجتمع بعض عوام مصر ، وتوجهوا إلى الكنيسة المعلقة ، وقصدوا هدمها ،
فما مكنوا من ذلك ، فاشتد حرج السلطان ، وأمر بالقبض على من أقدم على ذلك ،
فمسك بعض العوام وحبسوا ، واستفتى السلطان القضاة فيما يلزم هؤلاء الذين انتهكوا
الحرمة ، فأفتوه بتعزيرهم بحسب رأي الإمام ، فضرب بعضهم ، وشق مناخير بعض ،
وأخرج من الاعتقال من أرباب الجرائم من وجب عليهم القتل ، فوسط منهم جماعة ،
وعلقوا في أماكن تخويفا للعوام ، ثم أعقب هذه الحادثة من الفتن ما نذكره .
ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر
لما وقع ما ذكرناه من هدم الكنائس ، وقع أثر ذلك الحريق بمصر المحروسة ،
فكان أول ذلك أن احترقت دار الوكالة بالقاهرة في شهر ربيع الآخر ، وهي التي عند
باب البحر ، وتعرف بفندق الخز ، فاحترق فيها متاجر الناس من الزيت والعسل
والأصناف ، فعدم لهم جملة كثيرة ، وظن الناس أن ذلك عن غير قصد ، وأنها إنما
احترقت على جاري العادة في وقوع النيران في أماكن على سبيل الغلط وعدم التحفظ
والاحتراز ، ثم سكن ذلك إلى يوم السبت الخامس عشر من جمادى الأولى ، فوقع
الحريق في القاهرة ومصر ، وكان أول الحريق بخط حارة الديلم ، فاحترقت دار
الشريف بدر الدين نقيب الأشراف ، وما يجاورها من دور الأشراف والمسلمين ، فكان
جملة ما احترق من الدور المتجاورات ما ينيف على ثلاثين دارا يقارب المائة مسكن ،
واشتدت النار وعظمت ، واستمرت بذلك المكان أياما ، وخيف أن تتصل بدار
" القاضي كريم الدين " ناظر الخواص السلطانية ووكيلها ، وبها أموال السلطان والأقمشة
وغير ذلك من التحف ، وهو يوم ذاك بثغر الإسكندرية ، فرسم السلطان بركوب الأمراء
لذلك ، فحضر الأمراء وغلمانهم ، والسقائين والقصارين وغيرهم ، وركب نائب السلطنة
والحجاب وأمير جاندار ، وغيرهم من أعيان الأمراء ، واجتهدوا في أمر النار إلى أن

الصفحة 9