كتاب الأضداد لابن الأنباري
وبَطَل بذلك معنى تعليق الاسمِ على المسمّي.
فأُجيبوا عن هذا الَّذي ظنُّوه وسأَلوا عنه بضُروبٍ من الأجوبة: أَحدُهنّ أَنَّ كلامَ العرب يصحِّح بعضُه بعضاً، ويَرتبِط أَوَّلُه بآخره، ولا يُعْرَفُ معنى الخطابِ منه إِلاَّ باستيفائه، واستكمال جميع حروفه، فجاز وقوعُ اللَّفظَةِ على المعنييْن المتضادَّيْن، لأَنَّها يتقدَّمُها ويأْتي بعدَها ما يدلُّ على خصوصيَّةِ أَحد المعنييْن دون الآخر، ولا يُراد بِها في حالِ التكلُّم والإِخبار إِلاَّ معنًى واحد؛ فمن ذلك قول الشَّاعِر:
كلُّ شَيْءٍ ما خَلاَ المَوْتَ جَلَلْ ... والفَتَى يَسْعَى ويُلْهِيه الأَمَلْ
فدلّ ما تقدَّم قبل جلل وتأَخَّر بعده على أَنَّ معناه: كلُّ شيءٍ ما خَلا الموت يَسيرٌ؛ ولا يتوهَّم ذو عقل وتمييز أَنَّ الجَلَلَ هاهنا معناه عظيم. وقول الآخر:
يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطْمَحْ بِكِ الأَمَلُ ... فقد يُكَذِّبُ ظَنَّ الآمِلِ الأَجَلُ
يا خَوْلَ كَيْفَ يَذُوقُ الخفضَ معترِفٌ ... بالموتِ والموتُ فيما بَعْدَهُ جَلَلُ
فدلَّ ما مضى من الكلام على أَنَّ جللا معناه يسيرٌ.
الصفحة 2
517