كتاب صحيح البخاري - البغا (اسم الجزء: 3)

3690 - حدثني مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكرياء
ابن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس قال
: مكث رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين
[ ر 3638 ]
3691 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد يعني ابن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس على المنبر فقال ( إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده ) . فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )
[ ر 454 ]
[ ش أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر رضي الله عنه رقم 2382 . ( زهرة الدنيا ) نعيمها وأعراضها . ( خوخة ) هي الباب الصغير بين البيتين ونحوه ]
3692 - حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت
: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي . قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق . فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز و جل والنبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين ( إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ) . وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ( على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ) . فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال ( نعم ) . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر ( أخرج من عندك ) . فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال ( فإني قد أذن لي في الخروج ) . فقال أبو بكر الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( نعم ) . قال أبو بكر فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( بالثمن ) . قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة
من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل
[ ش ( الدغنة ) ذكر في الفتح أنها هكذا عند الرواة وعند أهل اللغة الدغنة . ( فينقذف عليه ) يتدافعون ويزدحمون . ( عامة ) معظم . ( الخبط ) ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر . ( نحر الظهيرة ) أول الزوال عند شدة الحر . ( متقنعا ) مغطيا رأسه . ( أهلك ) أي لا يوجد أحد يشك فيه إنما هي زوجتك عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما . ( الصحابة ) أريد مصاحبتك . ( أحث ) من الحث وهو الإسراع . ( الجهاز ) ما يحتاج إليه في السفر . ( سفرة ) الزاد الذي يصنع للمسافر . ( جراب ) وعاء يحفظ فيه الزاد ونحوه . ( فكمنا ) فمكثنا مختفيين . ( ثقف ) حاذق فطن . ( لقن ) سريع الفهم حسن التلقي لما يسمعه ويعلمه . ( فيدلج ) يخرج وقت السحر منصرفا إلى مكة . ( يكتادان به ) يدبر بشأنهما ويمكر به لهما ويسبب لهما الشر والأذى . ( وعاه ) حفظه . ( منحة ) الناقة أو الشاة يعطى لبنها ثم جعلت كل عطية منحة وكذلك تطلق على كل شاة . ( فيريحها ) من الرواح وهو السير في العشي . ( رسل ) اللبن الطري . ( رضيفهما ) هو اللبن الذي جعل فيه الرضفة وهي الحجارة المحماة لتذهب وخامته وثفله وقيل الرضيف الناقة المحلوبة . ( ينعق ) يصبح بغنمه . ( بغلس ) هو ظلام آخر الليل ]

الصفحة 1417