كتاب تفسير العثيمين: الأنعام

بالبصر) يشكل عليه أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نهى عن دخول ديار المكذبين أو المهلَكِين؟
فالجواب: أنه عليه الصلاة والسلام لم ينه عنها مطلقاً، بل نهى أن ندخل فرحين بطرين معجبين بالآثار، وما أشبه ذلك، أما أن ندخل معتبرين باكين خائفين فلا، ولهذا قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين" (¬١)، فهناك فرق بين من يدخل هذه الديار ليعتبر ويخاف ويبكي، وآخر يدخلها للبطر والأشر والنزهة والإعجاب بالآثار، فالأول محمود، والثاني مذموم، وبذلك يزول الإشكال.
قوله: {ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} {انْظُرُوا} بأبصاركم أو ببصائركم؟ إذا قلنا السير بالقلب فالمراد انظروا بالبصائر، وإذا قلنا بالقدم فالمراد بالبصر وينبني على ما سبق.
وقوله: {كَيْفَ} خبر {كَانَ} مقدم، ويتعين أن يكون مقدماً؛ لأنه اسم استفهام، واسم الاستفهام له صدر الكلام؛ لأنه المقصودُ بالجملة، وإذا كان المقصودُ بالجملة كان حقه أن يقدم، ولهذا إذا قلت: أين زيد؟ تعين أن تكون (أين) خبراً مقدماً، ولا يجوز أن تقول: زيد أين، (فكيف) في محل نصب خبر (كان) مقدماً {عَاقِبَةُ} اسمها مؤخر، باعتبار تقديم الخبر وإلا فهو في مكانه.
وقوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}، فماذا كانت؟ كانت
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مواضع الخسف والعذاب (٤٣٣)، ومسلم، كتاب الزهد والرقاق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ... (٢٩٨٠).

الصفحة 60