كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 1)
ولقد ذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مر فى طريقه بعبد الله بن أبى بن سلول، ينتظر أن يدعوه إلى المنزل، وهو يومئذ سيد الخزرج فى أنفسهم، فقال: عبد الله انظر الى الذين دعوك فانزل عليهم، فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفر من الأنصار، فقال سعد بن عبادة يعتذر عنه: لقد من الله علينا بك يا رسول الله وإنا نريد أن نعقد على رأسه التاج، ونملكه علينا.
اتجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بعد نزوله فى دار أبى أيوب الأنصارى إلى ثلاثة أمور:
أولها: صلاة الجمعة فقد صلاها فى بنى سالم بن عمرو بن عوف، ويظهر أنه صلاها فى أرض فضاء، لأنه لم يكن قد بنى مسجده فيها، ومادام النبى صلّى الله عليه وسلّم قد اختارها لإقامة الجمعة، فهى مسجد تقام فيه الصلوات، وخصوصا أنه ولى أمر المسلمين.
الأمر الثانى الخطبة: وقد قالوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الجمعة، وقد روى فى نصها روايتان:
إحداهما- رواية ابن جرير الطبرى، والخطبة فى هذه الرواية طويلة نسبيا، ورواها البيهقى، وروايته أقصر، ولم ينص على أنها خطبة واحدة، بل روى أخرى بعدها على أنها خطبة أخرى، ولنذكر الخطب الثلاث، وإن كان فى بعض رواتها كلام، ولكنها أشبه بكلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومواعظه.
الخطبة التى رواها ابن جرير:
«الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره، وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادى من يكفره، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله. فإنه خير ما أوصى به المسلم أن يحضه على الاخرة، وأن يأمره بتقوى الله تعالى فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى. وإن تقوى الله تعالى ذخر لمن عمل على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الاخرة، ومن يصلح الذى بينه وبين الله من أمر السر والعلانية، لا ينوى بذلك إلا وجه الله تعالى يكن له ذكرا فى عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد، والذى صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. واتقوا الله فى عاجل أمركم، واجله فى السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله تعالى توقى مقته
الصفحة 469
1120