كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 1)

وتوقى سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضى الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا، وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله تعالى إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم، وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حى عن بينة، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا من ذكر الله، واعلموا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس، ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلى العظيم» .
هذه الخطبة كما رواها ابن جرير، ولولا أن الحافظ ابن كثير رواها ما أقدمنا على نقلها، ولكن قال الحافظ: هكذا أورد ابن جرير، وفى السند إرسال.
ونحن نقرر ما قررنا أن ما اشتملت عليه أشبه بمواعظ النبى صلّى الله عليه وسلّم، ولكن نلاحظ أنها أطول من أكثر خطب النبى صلّى الله عليه وسلّم، ونلاحظ أن فيها تكرارا لم يعهد فى خطب النبى صلّى الله عليه وسلّم، وأن فيها ايات قرانية من الايات المدنية، مما يدل على أنها نزلت بعد هذه الخطبة، والله أعلم.
هذا ما نراه بالنسبة للخطبة التى رواها ابن جرير، وقد روى البيهقى خطبتين:
أولاهما: ما رواه عن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت أول خطبة خطبها النبى صلّى الله عليه وسلّم فى المدينة المنورة أن قام فيهم فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«أيها الناس قدموا لأنفسكم، تعلمن، والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه، ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولى فبلغك، واتيتك مالا فأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك، فينظر يمينا وشمالا، فلا يرى شيئا، ثم ينظر قدامه، فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقى وجهه من النار، ولو بشق تمرة، فليفعل، ومن لم يجد فكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .
والثانية أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الحمد لله أحمده، وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله فى قلبه، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا من أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، فإنه من يختاره الله ويصطفيه فقد سماه خيرته من الأعمال، وخيرته من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتى من الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوه حق تقاته، وأصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث فى عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .

الصفحة 470