كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)

ووضع سبحانه وتعالى لهذه الدولة أسس تكوين المجتمع من الأسرة إلى الجماعة إلى العلاقات الإنسانية في السلم والحرب، ويصح لنا في هذا المقام أن نشير إلى الأهداف الاجتماعية والدولية للدولة الإسلامية بكلمات موجزات لا تغنى الإشارة فيها عن العبارة ولا الإجمال عن التفصيل.
[الأهداف الاجتماعية والدولية للدولة الإسلامية]
[تهذيب النفس]
أ- أول الأهداف الاجتماعية تهذيب الآحاد ليكون منهم وحدات متلائمة يتكون منها مجتمع، ولهذا شرعت العبادات ونفذت أحكامها، تطهيرا للمجتمع من آثامه، وتوقيا للأخيار من شرور الأشرار، فكانت الصلاة، التى قال تعالى في بيان غايتها وثمرتها إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45- العنكبوت) . وشرع الصوم لتطهر النفس وتسيطر عليها الروح، وتقوى الإرادة ولا يكون الواحد من المؤمنين خاضعا للهوى، بل يسيطر عقله على شهوته، فتكون له أمة ذلولا، ولا تكون سيدا مطاعا.
وشرع الحج للتعارف الإنسانى. وتهذيب الوجدان بالإقامة في ضيافة الرحمن. وشرعت الزكاة ليعين الغنى الفقير وليعيش الناس في وئام. فكان تطهير المجتمع إيجابيا بتزكية الروح وتطهيرها. وتنمية العلاقات الاجتماعية وبث روح الرحمة في القلوب، والتعاون بين الناس.
وقد شرعت الكفارات تطهيرا للنفوس إذا أثمت، وفتحا لباب التوبة عمليا ونفسيا. وجعل الصدقة تطهيرا من كل إثم كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «الصدقة تطفيء المعصية، كما يطفيء الماء النار» إذ كل معصية مهما تضؤل فيها اعتداء على الناس. فكان تكفيرها بمعاونة الناس.
[تكوين الأسرة]
ب- واتجه الإسلام إلى تكوين الأسرة الفاضلة. لأن الأسرة نواة البناء الاجتماعى. وهى الوحدة الأولى في إقامة دعائمه. ولذلك عنى القرآن الكريم ببيان أحكامها. وشرح الواجبات والحقوق فيها بين الزوجين. وبين الآباء والأبناء. وإن كل الأحكام الشرعية الخاصة بالعبادات والتعامل جاءت مجملة. وبين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تفصيلها بالعمل. لا بالقول فقط، إلا أحكام الأسرة، فقد تولى الله سبحانه وتعالى بيانها تفصيلا في كتابه الكريم، بين التزامات الزوجية والعلاقات الأسرية، وعلاجها إذا أصابتها آفة، وبين أحكام الميراث تفصيلا لا إجمال فيه، وأحوال الطلاق وما يتصل به.
وإن ذلك كله حجة قائمة على الذين يريدون أن يحرفوا الشرع عن مواضعه، ويجعلوا للأسرة نظاما لم يأت به كتاب الله تعالى. وهو عند الله منكر، لأنه تقليد للذين لا يعرفون مكانة الأسرة، ولا حريتها.

الصفحة 481