كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)
رأى عام
ج- وقامت الدولة الإسلامية التى أقامها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تنفيذا لحكم الله على تكوين رأى عام فاضل. ولذلك حث الإسلام على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واعتبرهما عنوانا للأمة الفاضلة، وإذا كان الرأى العام الذى قام في مكة المكرمة كان وثنيا، ولذلك حارب الوحدانية وأباح الخبائث. فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهداية القرآن الكريم والوصايا الإلهية اتجه إلى تكوين رأى عام فاضل يقوم المعوج، ويمنع الخبائث، ولقد قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110- آل عمران) ، وبين أن اللعنة تكون على الذين يفسدون الرأى العام فيها فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (78، 79- المائدة) .
وفي سبيل تكوين رأى عام فاضل، أوجب على كل مؤمن أن يستنكر الشر، ويستهجنه، ولا يقره ويستحسنه، وإلا اضطربت أمور الجماعة، وهوت سفينة الحياة.
ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «مثل المدهن في حدود الله مثل قوم استهموا في سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وبعضهم في أعلاها، فكان الذى في أسفلها يمر بالماء على الذى في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا ينقر به أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: مالك؟ قال تأذيتم ولا بد لى من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه، ونجوا بأنفسهم، وإن تركوه أهلكوه، وأهلكوا أنفسهم» .
وإن الرأى العام الفاضل الذى أراد الإسلام أن يتكون هو الذى يمنع الظلم، ويقيم العدل، ولذلك يقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدى الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن بقلوب بعضكم على بعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم» .
وإن الرأى العام الفاضل تسوده الفضيلة، وتقتل فيه الرذيلة، فلا تظهر، ولذلك يحث النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على الحياء الذى يجعل صاحبه لا يظهر أمام الناس إلا بالخير. فيقول عليه الصلاة والسلام «الحياء خير كله» ويقول عليه الصلاة والسلام «لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء» .
وإن الجماعات الإنسانية التى انحرفت، وسادتها الرذيلة، أول مظاهرها فقدان الحياء، وكذلك يدعو المسرفون على أنفسهم، وعلى أقوامهم، إلى هجر الحياء وإظهار الرذيلة، ويسمون ذلك بأسماء ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
الصفحة 482
1120