كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)

وليس معنى العدالة الاجتماعية محو الفقر وإذابته، فإن الفقر والغنى حقيقتان ثابتتان في الوجود، لا يمكن محو أحدهما، أو إذابته، كما جاء التعبير على لسان بعض الناس. إنما العدالة الاجتماعية، تقتضى محو التفرقة بين الطبقات، وأن يسيطر ناس بحكم الطبقية، وأن يستطيل غنى على فقير بحكم غناه، ولا نسيب على ضعيف بحكم نسبه، إنما الجميع سواء أمام القانون الإسلامى السامى في معناه، وتطبيقه.
ولا بد أن تتوافر العيشة الكريمة لكل مؤمن، والدولة الإسلامية المباركة تتكفل بالعاجزين، عملا بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعا، فإلىّ وعلىّ» .
ويشمل مضمون العدالة الدولية، وهى تقوم على ثلاثة مباديء متقررة في حكم القرآن الكريم، وبعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى الوفاء بالعهد، والمعاملة بالمثل من غير أن يجارى الأعداء في انتهاكهم لحرمة الفضيلة، فإذا قتلوا النساء والذرية لا نجاريهم، وإذا انتهكوا حرمات الفضيلة لا ننتهكها، لأن دين العدل والفضيلة لا يجارى الناس في ماثمهم. وثالث الأمور في العدالة الدولية أن الأساس في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، حتى يكون اعتداء أو استعداد للاعتداء، أو محاربة لحرية الاعتقاد ووقوف ضد الدعوة الإسلامية التى تدعو إلى أن يكون الدين كله لله تعالى، بحيث لا يفتن مؤمن، ولا يعتدى على اعتقاد.

التعاون
هـ- وقامت الدولة الإسلامية على أساس التعاون، فقال الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وإن كل جماعة نظمها الإسلام تقوم على أساس من التعاون، فالتعاون في الأسرة هو قوامها، فالمرأة هى السكن: وهو الحمى، والآباء والأبناء يتعاونون في شدائد الحياة، ويشتركون في سرائها.
وإذا تجاوزنا الأسرة إلى المجتمع الصغير المكون من الجيران وأهل الحى وأهل القرية، وجدنا التعاون قوام الترابط بينهم. وقد أوصى صلى الله تعالى عليه وسلم بالجيران، وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى الجار ذى القربى، والجار الجنب، والجار في العمل، والجار في السفر.
وإذا تجاوزنا المجتمع الصغير من الجيران وأهل الحى أو القرية واتجهنا إلى مجتمع الأمة أو الشعب، وجدنا التعاون دعامة بنيانه، تتعاون كل طوائفها في جهودها المختلفة في رفع شأنها، وكأن تلك الجهود أنهار مختلفة تلتقى عند مصب واحد، لا يذهب فيه الماء هدرا، بل ينتج الخصب وأطيب الثمار.
فكل طائفة قوة في ذاتها، فمهرة الصناع قوة، ومهرة الزراع قوة متعاونة، والعلماء يمدون الجميع بالمعارف، فتعمل كل القوى متعاونة متضافرة.

الصفحة 484