كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)
الرحمة والمودة
ووقيام دولة الإسلام على أساس الرحمة الشاملة والمودة المقربة، ومنع البغضاء المنفرة، ولقد قامت الدولة الإسلامية على أساس الرحمة والمودة، أما الرحمة فأساسها الرحمة بالأخيار، لا بالأشرار، فليست الرحمة في الإسلام: مجرد انفعال نفسى، بل هى الرحمة بالكافة، ولقد قال بعض الصحابة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «يا رسول الله أكثرت من ذكر الرحمة ونحن نرحم أزواجنا وذرياتنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا أريد، إنما أريد الرحمة بالكافة» . ولذلك شرعت العقوبات الزاجرة رحمة بالكافة، فقد قال عليه الصلاة والسلام «من لا يرحم لا يرحم» وإن بعض أنواع الرأفة يشمل في أطوائه أشد أنواع القسوة، وهى الرأفة بالمجرم، ولذلك نهى القرآن الكريم عن الرأفة بالزناة، فقال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي، فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (النور- 2) فكان من قانون الرحمة العادل أن يعاقب المذنبون.
وإن الرحمة العادلة التى تكون للآحاد، إنما تكون على الضعفاء من العبيد، والفقراء واليتامى، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «أبغونى في ضعفائكم، إنما تنصرون وترزقون، بضعفائكم» ، ولذلك أوصى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم برحمة المرأة الضعيفة، وأوصى بالرحمة بالعبيد، وأوصى برحمة اليتامى بإصلاح أحوالهم، ورعاية أموالهم.
هذه إشارات إلى مباديء الرحمة في الدولة الإسلامية التى كونها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر القرآن الكريم.
أما المودة فهى قوام الروابط الإنسانية دعا إليها الآحاد والجماعات، ولذلك عد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إفشاء السلام الذى هو مظهر المودة، وإطعام الطعام الذى هو إدامها، عدهما أحسن الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «وأحسن الإسلام أن تطعم الطعام، وأن تقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف» .
نعم كان الأمر بالمودة، وجعلها قوام الأسرة، كما قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم- 21) .
وأوجب صلة الرحم مودة في القربى، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «من أراد منكم أن يبارك له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» ، ويقول عليه الصلاة والسلام: «ليس الواصل بالمكافىء، إنما الواصل من يصل رحمه عند القطيعة» .
الصفحة 486
1120