كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)
(ب) أنه بمقتضى هذه الوثيقة يصير اليهود الذين يقيمون بيثرب رعية واحدة، فلا تكون لهم أحكام خاصة بهم لا تسرى على غيرهم، ولا يختصون بنظم لا تنطبق على غيرهم، وذلك مع الاحتفاظ بدينهم، تراعى فيه حرمة العقيدة، وألا يكون لأحد عليهم سبيل فيها، وأن عليهم حكم الله تعالى، وللنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ألا يحكم بينهم إذا وجد مصلحة، ويبين هذا قوله تعالى في شأنهم: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة- 42) .
وإن هذا يدل على أنهم كانوا خاضعين فيما يتعلق بالنظام العام كحرمة الدماء، والظلم، ولكن شئونهم الخاصة لا يحكم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيها بينهم إلا إذا جاؤا إليه، فله أن يحكم، وله أن يعرض.
ولذا لا نستطيع أن نقول إنهم كالذميين تماما في الأحكام، ولكنهم من جهة كالذميين، ومن جهة ثانية جيران، يستمتعون بحقهم في المعاملات الخاصة من غير إثم.
(ج) أن العهد كان أساسه التعاون بين العشائر بحيث تحمى كل عشيرة ضعيفها، وتعطى الفضيلة بينها وتفك أسر أسيرها، وتدفع ديات قتلاها، وذلك يشير إلى حرمة كل شخص على أهله في دائرة البر لا في دائرة الاعتداء أو الانتقام.
(د) أنه مع التعاون بين العشيرة، هناك تعاون عام بحيث يتضافر المؤمنون جميعا بل الجماعة في عون المظلوم، ولذلك عند ما كان النص على القود أوجب على المؤمنين جميعا معاونة أولياء المقتول في القصاص، وتتعاون الجماعة كلها في دفع أذى كل من يحدث حدثا أو اشتجارا، أو ما يثير العداوة والبغضاء، وأنه بهذا التعاون الفاضل تستقر الأمور على خير الجماعة، وما يجلب لها النفع، ويدفع عنها الضر، وأنه لو نفذ هذا العهد بكل ما فيه لتكونت من المؤمنين وجيرانهم مدينة فاضلة.
وأن الحلف يوجب أن يكون عدو النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عدوا لليهود، فلا يجار قرشى، ولا من يناصر قريشا، فعلى اليهود ألا يوالوا المشركين؛ لأنهم أعداء الله تعالى، وأعداؤهم، وذلك لأن الميثاق يجعل أهل المدينة المنورة مسلمين ويهودا أهل ولاء واحد، عدوهم واحد، ومناصرتهم واحدة، وذلك ليكون أمن الجميع واحدا، فمن هاجم فريقا من أهل المدينة المنورة فقد هاجم المدينة كلها، وذلك بلا ريب يلزم اليهود، لأن الوثيقة أعطتهم حقوقا، وأوجبت عليهم واجبات، فإذا أخلوا بما يجب عليهم، فقد أسقطوا ما لهم من حقوق، لأن الحقوق والواجبات متقابلة. وما دام الولاء واحدا، فإنه لا يصح أن يتعاون
الصفحة 500
1120