كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)

غزوات لا قتال فيها، وأولى غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن فيها قتال، ومنها الأبواء، والعشيرة، وغطفان، وبدر الأولى، ومن أعظم الغزوات التى لم يقاتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيها الحديبية فقد كانت فتحا لابتداء سلام بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش، ولذلك قال الله تعالى فيها: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (الفتح- 1: 3) .

الحرب الفاضلة أو حرب النبوة
352- لم يكن في السرايا التى بعث بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قتال، بل كانت نتيجتها سلما، وما كان الفريقان يلتقيان إلا ليفترقا في سلام، وإن لم يكن ذلك دائما، إلا ما كان من رمية رماها سعد بن أبى وقاص في سرية عبيدة بن الحارث. ومع أنه لم يكن في هذه السرايا قتل ولا قتال كانت ذات فائدة، لأنها أعلمت قريشا أن الإسلام صارت له قوة، فإما أن يسارعوا إليه، ولا يكونوا آخر الناس، وإما أن يسارع القصاص، والرد على ما سبقوا به من الاعتداء. أو من جهة أخرى يشعرون بأن قوة الإسلام ستنقذ المؤمنين الذين لا يزالون يفتنونهم عن دينهم الذى ارتضوه والفتنة أشد من القتل. كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. ومن جهة ثالثة يحسون بأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم سيضايقهم بالحق كما ضايقوه بباطلهم. وكما يضايقون أصحابه من المستضعفين في ديارهم، وذلك بمصادرة أموالهم كفاء لما أخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم.
فكانت هذه السرايا الأولى في السنة الأولى من الهجرة إشعارا لهم بأن الإسلام قد أمده الله تعالى بالقوة، ليرهبوه ما داموا لم يسالموه، بل إنهم لم يرغبوه.
وكانت كذلك غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأولى في الأبواء والعشيرة، وغطفان، وبدر الأولى، فقد كانت خالية من القتل والقتال، بل كانت لهذا الإشعار.
حتى إذا شعرت قريش بهذه القوة المؤمنة، وكونوا جيشا كثيفا، وساروا به ولم يسبق عيرا، وبدا أنهم يرومون الحرب، إذ استعدوا لها، وأرادوا الاعتداء بها، كان القتال، لأنهم كانوا المهاجمين، وما كان محمد عليه الصلاة والسلام لينتظر حتى يغزوا المدينة المنورة بجيشهم، بل لابد أن يلقاهم، لأنه ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، كما قال بطل الجهاد على كرم الله وجهه الذى رباه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلمه الحكمة وفصل الخطاب.

الصفحة 511