كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)
دينهم، وجحود بالحق. ولقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم حريصا على منع القتال حتى عند أخذ الأهبة، فهو يقول لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن قائدا:
«لا تقتلوهم حتى تدعوهم، فإن أبوا فلا تقاتلوهم، حتى يبدأوكم، فإن بدأوكم، فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلا ثم أروهم ذلك، وقولوا لهم: هل إلى خير من هذا سبيل، فلأن يهدى الله على يديك رجلا واحدا خير مما طلعت عليه الشمس وغربت» .
ونجد من هذه الوصية أن نية السلم قائمة والجيشان قد تلاقيا، فالقائد المسلم لا يقاتلهم إلا بعد أن يدعوهم إلى العهد الذى يكون فيه تأمين حرية الدعوة، ثم هو لا يبدأ القتال، بل يتركهم يبدأون القتال، وحتى بعد هذا البدء لا يقاتلهم حتى يقتلوا فعلا ثم يبين لهم العبرة في ذلك الدم الذى أراقوه ظلما وعدوانا، فإن لم يعتبروا لم يبق إلا السيف ليحكم بأمر الله بينه وبينهم والله خير الفاصلين.
فى المعركة:
355- والرفق ملازم المعركة ذاتها، كما كان في ابتدائها، ذلك أنها حرب نبوة، وليست مغالبة ولا تناحرا، ولقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم في وصف دعوته وحربه: «أنا نبى المرحمة، وأنا نبى الملحمة» ، وفي الحق أن المرحمة والملحمة متلاقيتان، فما كانت الملحمة إلا لأجل المرحمة، إذ الرحمة الحقيقية في هذا العالم هى في قطع الفساد ومنع الشر، وإذا كانت الملحمة فقد تعينت سبيلا للمرحمة.
وإنه كان يصاحب حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ابتداء المعركة العمل على تأليف القلوب حتى وقد اشتجرت السيوف؛ ولذلك يوصى عليه الصلاة والسلام جنده وقد أرسلهم للقتال بقوله: «تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل مدر أو وبر أن تأتونى بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتونى بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم» .
هى حرب رفيقة تتسم بالتأليف، لا بالتقتيل، وبالمحافظة على الأنفس والرجال إلا أن تكون ضرورة ملجئة، فقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يوصى بألا يقوم الجيش بإتلاف زرع أو قطع شجر أو قتل الضعاف من الذرية والنساء، والرجال الذين ليس لهم رأى في الحرب، ولم يشتركوا فيها بأى نوع، ومن ذلك قوله في إحدى وصاياه:
الصفحة 516
1120