كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)
وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن التخريب، فكان يمنع قطع الشجر لأنه لا ضرورة توجب قطعه إلا أن يتخذه العدو مستترا له، ليجعل منه كمينا يكمن فيه لجيش المسلمين، فما كانت حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تسمح بالتخريب.
الفضيلة:
356- ليست حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كحرب الأنذال اللؤماء الذين يضعون السيف في موضع البرء وموضع السقم، إنما هى حرب الخلق القوى الذى لا يضع السيف إلا حيث يكمن الداء، ويستقر، ليقتلع الشر من مكمنه، فلا يقتل إلا من اعتدى وحمل السيف، أو دبر الأمر لمن يحمله.
ولذلك كانت الفضيلة هى المسيطرة في كل أدوارها في ابتدائها وسيرها وانتهائها، وإنها إذ كانت لرد الاعتداء بمثله، فهى مقيدة بالفضيلة لما ذكرنا من أن الله تعالى أمرنا بالتقوى عند رد الاعتداء، فالمعاملة بالمثل مع التقيد بالتقوى توجب على جيش الإيمان ألا ينتهك حرمات الفضيلة لأجل المعاملة بالمثل، فإذا تعارضت الفضيلة مع المعاملة بالمثل كان الواجب مراعاة الفضيلة لأنها المبدأ الذى لا يقبل التخلف كيفما كانت الحال.
وقد يعجب بعض الناس من الفضيلة تحكم في وسط السيوف، وحيث تستباح النفوس، فإنها حيث استبيحت لا يبقى شيء يحترم، ولكنا نقول إنها حرب النبوة المقيدة بقانون السماء، قام بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليعلمها للناس، فإنه مادامت الحرب في نظام الوجود الإنسانى، فإنه لا بد من أن تقيد بالفضيلة، وأن يتولى تعليمها خاتم النبيين محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو آخر صرح في نبوة السماء، وأن حرب النبوة هى حرب الفضيلة التى تدفع الرذيلة دفعا. وليس من المعقول أن يكون الباعث عليها الدفاع عن الحق والفضيلة، وتنتهك الحرمات من أهلها في الميدان مجاراة لأراذل المعتدين، فإذا كان العدو منطلقا من كل القيود الخلقية فجيش الفضيلة مقيد بالفضيلة، فإذا كان العدو يهتك الأعراض إن استمكن، أو يقتل النساء والولدان والشيوخ الذين لا يستطيعون حيلة، فإن جيش الإسلام المؤمن لا يجاريهم لأنه مقيد بالفضيلة والخلق القوى.
وإذا كان العدو يمثل بالقتلى، ويشوه أجسامهم بعد القتل، فإن جيش الفضيلة لا يفعل لقول القائد الأعظم المعلم الأوّل للحروب الفاضلة: «إياكم والمثلة»
الصفحة 518
1120