كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 2)

ولقد قتل المشركون في غزوة أحد حمزة بن عبد المطلب عم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وحبيبه، وأدنى قرابته إليه، وسيد الشهداء كما سماه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومثلوا بجسمه الطاهر، ومع منزلته منه عليه الصلاة والسلام لم يفكر بأن يمثل بأحد من قتلاهم فيما جد من بعد ذلك.
وإذا كان الأعداء يجيعون الأسرى، أو يقتلوهم بالعطش، فإن جيش المسلمين يعد من أقرب القربات إطعام الأسير، تحقيقا لقوله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين في إيمانهم: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان- 8) .

احترام الكرامة الإنسانية:
357- وإذا كانت الفضيلة لابد من احترامها في أثناء الحرب، للأمر بتقوى الله تعالى عند رد الاعتداء بمثله، فمن الفضيلة المحافظة على الكرامة، بقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (الإسراء- 70) ، فكرامة العدو محترمة ككرامة الولى على سواء، وقد يعد بعض الناس ذلك أمرا غريبا، حيث كانت السيوف متشابكة، إذ أن هذا ليس وقت التكريم، بل هو وقت التقتيل، ولكن لا غرابة، فهى ليست حرب انتقام، ولكنها قمع للشر، ومنع لاستمراره، ولا استمرار يتصور من مقتول.
ولذلك أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بدفن قتلى قريش، لم يترك جثثهم نهبا لوحوش الأرض وسباع الطير، أمر عليه الصلاة والسلام بوضع جثث القتلى من قريش في القليب وهو بئر جافة.
ولقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الإجهاز على جريح، كما نهى عن تعذيب القتلى، إذ ضعفت قوة الجريح عن أن يقاوم، وذلك كله لاحترام الإنسانية، ولأن القتال ليس القصد منه إلا إضعاف قوة الطغاة، ودفع الاعتداء وليس منها الانتقام.
وأن المعاملة بالمثل التى تفرضها قوانين الحرب، والتى تفرض بحكم رد الاعتداء به لا يسير به المسلم إلى أقصى مداه ولو انتهكت الفضيلة والكرامة الإنسانية، بل إن المسلم بأمر الله تعالى مأمور بالتقوى عند رد الاعتداء، وكانت حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هى المثل السامى في تنفيذ ذلك لأنه الذى يتعلم منه الإنسان إن حارب أخاه الإنسان، فعندئذ يكون قانون الأخلاق هو الذى يحكم لا قانون الغابة.

الصفحة 519