كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 1)

المقدسة التى كتب لهم أن يدخلوها وإن لم يقيموا فيها: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «1» .
ولقد فهم بعض الكتاب أن المواحدين كانوا فى الساميين فقط، وجاء بعض الأوربيين، وعلل ذلك بأن العقل السامى عقل سطحى، لا يفهم من العقيدة إلا التوحيد، ولا يتصور المعنى الفلسفى فى التثليث، وهذا الكلام يأتى على عقيدته بالنقض، لأن عقيدته المسيحية جاء بها سامى، فلابد أن يكون ما أتى به، وما دعا إليه يتفق مع السامية التى لا تهضم فلسفة التثليث وأن يكون التثليث الذى نسب إليه لا تشتمل عليه دعوته، ولا تدعو إليه رسالته، وليس ما اشتملت عليه عقيدته.
على أن العقل الارى قد اعتنق الواحدانية فى أصل الديانة البرهمية التى جاءت بها القبائل الارية، فدعوى الاقتصار فى الواحدانية على العقل السامى يأتى على أصل التثليث بالنقض، وينتهى بأن التثليث من أوهام الفلاسفة، وليس من عقائد الرسل.
ولعل ما ذكرنا من أن القبائل الارية التى جاءت تحمل الديانة البرهمية من بوادى اسيا، قرينة على أن الرسائل الإلهية، إنما تنزل فى الأرض التى تكون بادية قريبة من المدائن، أو تكون فى طريق القوافل، فقد جاءت إلى الهند التى كانت مملوءة بالأنهار والأحراش، وفيها تحضر نوعا ما، ولم يكن فيها صفاء البادية، وبأسها، وقوتها وسذاجتها، وسلامة فطرتها، ولذلك سرعان ما حرفت العقيدة إلى الصورة التى جاءت بعد ذلك من نظام الطبقات الظالم.
وقد أشرنا من قبل إلى أن الرسائل الإلهية غير محصورة، وأن الله تعالى ذكر أنه لم يقص في القران أخبار كل النبيين، فقد قال تعالت كلماته: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ «2» .
وسيتبين عند الكلام في البشارات التي بشرت بالنبي صلّى الله عليه وسلّم أن من البشارات ما جاء في كتاب الفيدا الذي هو أعلي مصادر الديانة البرهمية، وبينا في وضوح أنها في أصلها ديانة توحيد، كما جاءت بالفيدا النصوص الدالة علي ذلك مما يدل علي أنها ديانة منزلة ابتداء، وإن انحرف عنها القوامون عليها، وشاهت إلي الحال التي الت إليها من عصور سابقة ولا تزال قائمة إلي الان.
47- من هذا البيان الموجز يتبين أن البيئة الطبيعية بمكة وما حولها وما لها من مزايا امتازت بها كانت من المرشحات لأن تكون موطن النبوة وموطن خاتم النبيين، فإذا كانت النبوة قد ابتدأت بإبراهيم أبي الأنبياء وإسماعيل ابنه، فإن ختام النبوة فى العالمين كانت بها أيضا، برجل من ولد إسماعيل.
__________
(1) سورة المائدة: 26.
(2) سورة غافر: 78.

الصفحة 57