كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

وقد أحس المسلمون بقلة الزاد، وقالوا: والله يا رسول الله قد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ضارعا إلى ربه: «اللهم إنك عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدى شيء ما أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها غناء، وأكثرها طعاما وودكا» فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه.
وإنه بعد أن فتحت حصون النطاة قبل حصن الصعب بن معاذ تحول إلى الشق، وكانت به حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به حصن أبى الحقيق، فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أشد القتال، فخرج منهم رجل يقال له عزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فقطع الحباب يده اليمنى، فأتبعه الحباب فقطع عرقوبه وبرز رجل آخر فقام إليه رجل من المسلمين، فقتله اليهودى، فنهض إليه أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه، وأحجموا عن البراز.
بعد أن أحجم اليهود عن البراز كبر المسلمون وتحاملوا على الحصن فدخلوه، وأمامهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الحصن كأنهم الضباب، ثم تحولوا إلى حصن آخر من حصون الشق، وهو حصن البزاة وامتنعوا به أشد الامتناع، فزحف إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، وتراموا بالنبل، ورمى معهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده الكريمة، حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام، فأخذ عليه الصلاة والسلام من الحصى، فرمى حصنهم بها، فرجف بهم حتى ساخ فى الأرض، وأخذهم المسلمون أخذا باليد. هذا ما ذكره الواقدى فى تاريخه.
ويقول الواقدى مسترسلا فى بيان فتح الحصون:
ثم تحول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أهل الأظبية والوطيح والسلام حصنى أبى الحقيق، وتحصنوا أشد التحصين، وجاء إليهم كل من انهزم من النطاة إلى الشق، فتحصنوا معهم فى حصن وكان حصنا منيعا وفى الوطيح والسلام، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم، حتى هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم، فلما أيقنوا بالهلكة، وقد حصرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أربعة عشر يوما (أى فى هذه الحصون الأخيرة) نزل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حصون بن أبى الحقيق وطلب الصلح بعد أن تأكد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نصب المنجنيق ليقضى على البنيان إذ تحصنوا بها ولا سبيل إلى الوصول إليهم إلا بهدمها لأنها حصون لا مساكن.

الصفحة 779