كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما أراد إجلاءهم بمقتضى الشرط الذى أخذه عليهم، قالوا يا محمد، دعنا نكون فى هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا لأصحابه عمال يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر، على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشئ ما بدا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويستفاد من هذا أمران (أحدهما) أن الأرض تبقى فى أيدى المغلوبين، على أنهم غير مالكين لرقبتها، بل يعملون فى زراعتها ومراعاة أشجارها، ومساقاتها، ولهم شطر ما يخرج من زرع وثمر، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يأخذ الشطر، وكان يوزعه فى مصارف الغنائم.
الأمر الثانى أن ذلك غير ملزم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل له أن ينزع الأرض من أيديهم إذا أراد، ولا يريد إلا ما يكون فيه مصلحة للمسلمين.
وقال فى ذلك الامام مالك رضى الله عنه: إن الإمام مخير فى الأراضى المفتوحة إن شاء قسمها، وإن شاء أرصدها لمصالح المسلمين وإن شاء قسم بعضها، وإن شاء أرصد بعضها لما ينوبه فى الحاجات والمصالح.
وشطر الغلات الذى يئول للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم روى أنه كان يوزعه توزيع الغنائم، فيكون خمسه لله، وللرسول عليه الصلاة والسلام، ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة الأخماس للغانمين، وكانوا أهل بيعة الرضوان، وغيرهم نحو أربعمائة وألف، ومن انضم إليهم من مجاهدى خيبر، فبلغ الجميع خمسمائة وألفا فكان يقسم الريع مقسم الغنيمة بينهم.
وروى أبو داود أن النصف الذى كان يخص المسلمين ما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقسمه قسمة الغنائم، بل كان يبقيه لمن نزل به من الوفود، والأمور ونوائب الناس، أى يجعله لمصالح المؤمنين من غير تخصيص، ويقول الحافظ ابن كثير: قد تفرد بهذه الرواية أبو داود.
ومهما يكن من الأمر بالنسبة لغلة النصف فإنه يتبين من هذا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جعل الأرض فى أيدى أهلها على أن يكونوا زارعين حارثين مصلحين فى الأرض غير مالكين لرقبتها، بل رقبتها لجماعة المسلمين، ولذلك كان للإمام أن يخرجهم منها حيثما كان فى ذلك مصلحة المسلمين.
وأن ما فعله عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه فى أرض سواد العراق الذى أشرنا إليه عند الكلام فى أموال بنى النضير، يشبه هذا، وكان للإمام عمر رضى الله تعالى عنه أن يحتج به عندما خالفه جمع من الصحابة كان على رأسهم بلال رضى الله عنه.

الصفحة 783