كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

وقد روى الشيخان البخارى ومسلم من حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما «قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صبيحة رابعة ذى القعدة سنة سبع، فقال المشركون، إنه يقدم عليكم، وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يرسلوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم» .
وهكذا نجد كل المشقات التى يكلفها الإسلام تكون فى الطاقة، ولا تكون إرهاقا وقد ظنوا كما أشرنا أن هذه الهرولة لقول المشركين ما قالوا، ولكنها ثبت أنها سنة- كما قلنا- بحجة الوداع.
جاء فى الواقدى: لما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نسكه، دخل البيت، فلم يزل فيه، حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة الشريفة، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمره بذلك وكان بين من هم حول دار الندوة بعض رجال من قريش، كما أشرنا فكان منهم عكرمة بن أبى جهل فذكر أباه، وقال: لقد أكرم الله أبا الحكم، أن لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول، وقال صفوان بن أمية: فقد أكرم الله أبى قبل أن يرى هذا، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذى أمات أبى ولم يشهد هذا اليوم، حتى يقوم بلال ينهق فوق البيت.
ورجال غير هؤلاء من قريش لما رأوا ذلك غطوا وجوههم، وهكذا انتصر النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون من بعد ما ظلموا، وغاظوا بالإيمان أهل الشرك.
أقام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مكة المكرمة ثلاثة أيام أدى شعائر العمرة ونال أجر مجاورة البيت هو وأصحابه، وقريش فى غيظ وكمد، لأن دعوة التوحيد وشعار التوحيد دخل مكة المكرمة، وهم يرون، ولا يستطيعون حولا.
وفى اليوم الثالث، كانت هناك رغبتان: رغبة الود والرحمة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه وهى إقامة وليمة يتناولون معا طعاما ما يكون عربون السلام الدائم من بعد ذلك، ورغبة أخرى مناقضة، هى النعرة الشديدة وإبداء العداوة والبغضاء.
فى اليوم الثالث جاءه حويطب بن عبد العزى فى نفر من قريش ليخرجوا الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، قد وكلتهم قريش لإخراج الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فقالوا له: قد انقضى أجلك فاخرج عنا.
فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: وما عليكم لو تركتمونى فأعرست (أقسمت) بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه، فقالوا: لا حاجة لنا فى طعامك، فاخرج عنا.

الصفحة 834