كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

أين مسيركم؟ فقلنا وما أخرجك؟ فقال وما أخرجكم؟ قلنا الدخول فى الإسلام، واتباع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، قال وذلك الذى أقدمنى، فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة المنورة، فأنخنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسربنا فلبست من صالح ثيابى، ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلقينى أخى فقال: أسرع فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخبر بك فسر لقدومك، وهو ينتظركم، فأسرعنا المشى، فاطلعت عليه، فما زال يبتسم لى حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد على السلام بوجه طلق، فقلت إنى أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله صلى الله تعالى عليك وسلم، فقال تعال، ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «الحمد لله الذى هداك، قد كنت أرى لك عقلا، ورجوت ألا يسلمك إلا إلى خير» قلت يا رسول الله، إنى قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك مما أبرأ منه فادع الله أن يغفر لى ذلك، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «الإسلام يجب ما كان قبله» ، قلت يا رسول الله على ذلك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم «اللهم اغفر لخالد بن الوليد، كل ما أوضع فيه من صد عن الله ورسوله» .
هذا ما نقله الواقدى بالرواية عن إسلام خالد بن الوليد.
وذكرناه بطوله، لأنه حكاية نفسه، وبيان خواطره، وبيان ما وجهه إلى الإسلام توجيها نفسيا، أهو الاعتقاد الجازم الذى ينبعث من النفس، أم هو المصلحة، ولا يمنع أن يكون الباعث هو المصلحة، ثم يشرب قلبه حب الإيمان، ويكون من الصادقين فى إيمانهم، ثم يكون من بعد ذلك من المحاربين فى الإسلام، وربما يكون من المجاهدين، إن صح التعبير.
كان خالد ممن لم يدخلوا مكة المكرمة من قريش غيظا من الإسلام وأهله وكراهية- عندما دخل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة معتمرا حاجا. فدل هذا على النفرة الشديدة من الإسلام وأهله، ولكنه جاء بعد ذلك وأراد أن يكون مع المسلمين، ولم يكن كعمر الفاروق الذى كان ألبا على المسلمين ثم رق قلبه للإسلام وقذف الله فى قلبه بنوره، فكان قوة فى الإسلام، وفارقا بين الضعف والاختفاء، والقوة والاستعلان، فى وقت ضنت فيه الألسنة عن الحق، والقلوب عن الإيمان، ولا كحمزة أسد الله، فإنه لم يقف قط ضد الإسلام، وأسلم ابتداء حمية لابن أخيه، ثم صار بطل الجهاد، لا بطل الحرب، فقد يكون بطل الحرب غير مجاهد، وقد يكون بطل الجهاد لم تعرف له فى الحرب مكيدة، كبلال وعمار، وغيرهما من المؤمنين الأولين الذين كانوا اللبنة الأولى فى بناء الإسلام، وعلى بلائهم وأذاهم قام الإسلام.

الصفحة 840