كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

كان خالد فى إسلامه ليس واحدا من هؤلاء ولا كواحد منهم، ولكنه فكر وقدر فى البقاء على وثنية مكة المكرمة، أتكون مصلحته، أم المصلحة فى أن يسير فى الركب لتحفظ له مكانة المحارب الفذ والقائد النادر المثال.
وجد مكة المكرمة قد سدت ولم تكن مكان العزة، ورأى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم هو ومن معه يعلون ولا ينخفضون، فهو إلى علاء، ومن فى مكة المكرمة إلى غيره أو استسلام له.
ونفذ إدراكه إلى سر فى علو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو أنه ممنوع بمنع الله تعالى كالذى تسرب إلى نفسه وهو فى خيل المشركين يرقبون صلاة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بأصحابه.
ولكن كأن ومضة نفسية، لا نقول إنها انطفأت، ولكن نقول إن سباق تاريخ نفسه بنفسه يدل على أن ذلك لم يكن هو المسير الموجه إلى إيمانه.
بل كان الموجه أولا- أنه رأى أن لا مقام له بمكة المكرمة حيث سدت أبواب مظاهر النبوغ.
ثم كان الموجه ثانيا- أنه لم يكن له ملجأ فى الحبشة، لأن أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم سبقوه، والنجاشى يؤمن بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم ويحبه، وفكر فى أن يلجأ إلى الروم، وينتقل من دين قومه إلى اليهودية أو النصرانية، وربما كان ذلك فاتحا له باب النور، ليخرج من دين قومه إلى دين رجل من قومه، شرفه شرفهم، كما عبر هو.
ثم كان الموجه ثالثا- الكتاب الذى بعث به إليه أخوه الوليد وقد ذكر فيه سؤال رسول الله وذكره، وذكر عقله، وذكر أن له موضعا فى حروب المسلمين تعرف فيها مكانته، وتتميز فيها قيادته.
اتجه إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لهذه الأمور، ولم يكن منها إيمانه بالعقيدة إيمانا دافعا مؤمنا مطمئنا مهديا، إلا أن يكون ما لاحظه من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذ حول الصلاة القائمة إلى صلاة خوف، عندما حدثته نفسه إبان ذلك إلى الانقضاض على المؤمنين فى صلاتهم.
ولما ذهب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتطلق البشير النذير فى وجهه، رضى بالإسلام دينا، وغفر الله تعالى له لدعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم له بالغفران.
وإنا لا ننقص من مقام خالد بن الوليد القائد المحارب ذى الدربة فى القتال، إذا قلنا إنه ابتدأ دخوله فى الإسلام بأنه رأى فى دخوله فيه المصلحة بعد أن صارت القوة الوحيدة فى البلاد العربية للإسلام- لأنه إذا رأى فى ذلك مصلحة شخصية دنيوية، فإنها كانت باب النور إليه، ودخل الإسلام قلبه، وصار مؤمنا بالله واليوم الآخر، والملائكة والنبيين.

الصفحة 841