كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

قول رجل لقيناه ببئر أبى عنبة يصيح يا رباح يا رباح فتفاء لنا، بقوله وسرنا، ثم نظر إلينا، فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المكرمة المقادة بعد هذين فظننت أنه يعنينى، ويعنى خالد بن الوليد، وولى إلى المسجد سريعا، فظننت أنه بشر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت وأنخنا بالحرة، فلبسنا من صالح ثيابنا، ثم نودى بالعصر فانطلقنا على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدم عثمان بن أبى طلحة فبايع، ثم تقدمت، فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفى حياء منه، فبايعته على أن يدعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى، فقال إن الإسلام يجب ما قبله والهجرة تجب ما قبلها، فوالله ما عدل بى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه فى أمر حزبه منذ أسلمنا» .
نقلنا الحديث بطوله، وكنا نود أن نحذف الجزء الأخير، وهو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعدل أحدا من أصحابه. فإنا لا نحسب يمينه فى هذا برة إن كانت صحيحة النسبة إليه، لقد كانت بعد ذلك غزوة مؤتة وتبوك وفتح مكة المكرمة وهوازن وحنين فلم يعدل بهما على بن أبى طالب والزبير بن العوام وأبا عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبى وقاص. إن هذه اليمين غير البرة فرية عليه أو غير ذلك، ولماذا كان اللواء لزيد بن حارثة، ثم لجعفر بن أبى طالب، ثم لعبد الله بن رواحة، ولم يتولها خالد إلا حيث لم يكن وال يحملها.
ومهما يكن من أمر هذه اليمين، فإن ما جاء على لسانه يدل كما دل كلام صاحبه على أن إسلامهم ابتداء كان لمصلحة، وقد أشرب قلوبهم الإيمان من بعد.
هذا عمرو كان يقول لو أسلمت قريش كلها ما أسلم، ثم يخرج ببعض قومه ليحرض النجاشى على المؤمنين، ويحاول أن يتمكن من قتل رسول من عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيلطمه النجاشى لطمة جدعت أنفه. هذه اللطمة هى التى نبهته إلى الحق، أم نبهه غضب النجاشى، وإرادة إرضائه. ليس فى الوقائع التى ذكرها ما يدل على أنه رأى فى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله مانعه، فهو لم ير شيئا من ذلك، ولذلك نقول إن إسلامه كان لمصلحته الشخصية الدنيوية ولعل الإسلام قد دخل قلبه من بعد ذلك حتى صار إيمانا، وهذا ما رجحناه.
وفى قصة عمرو بن العاص عن نفسه ما يدل على أنه رجل لا يظهر فى الهيجاء، ويبغى لنفسه الانحياز عن مواطن الردى، فهو يحضر بدرا، وينجو، وأحدا وينجو، والخندق وينجو، ويظهر أنه لم يقتل ولم يقاتل بل كان من النظارة أو المدبرين، كما كان شأنه فى القتال بين إمام الهدى على بن أبى طالب ومعاوية يدبر فى حرب البغاة.

الصفحة 844