كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (اسم الجزء: 3)

ولذا كانت الوفود من بعد ذلك تجيء من القرى والقبائل تعلن إيمانها، وتتعلم الإسلام، وتسمع تلاوة القرآن الكريم كما سنتكلم إن شاء الله تعالى على الوفود التى جاءت تترى والتى جاءت بنور الحق لتسمع الحق من الداعى إلى الحق، وإن ذلك كله جاء من تسامع العرب بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وكانت الحروب من أسباب ذلك.
وإن انتهاء القتال بصلح ابتداء، ثم بمواجهة بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبين من يعاديه هى الآخرى دعوة إلى الإسلام فى هدأة النفوس، وقرار القلوب، وقد صار صوت الحق هو وحده الذى يتكلم، وسكتت صلصلة الأسلحة، وفى هذه الهدأة وقد خبت العداوة، واطمأن الجامح، ولم تكن العداوة التى تؤجج النفوس بل السلم العزيز الذى يرطب النفوس والأفئدة. وحينئذ دخل بعض العرب، ومال الذين كانوا يحاربون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الإسلام، وبدأوا يفكرون بقلب سليم من الأضغان، قد استلت منه الأحقاد وسخائم النفوس، وما كان المشركون لينفروا من الإيمان إلا جحودا وعنادا. فإذا اختفى العناد كان التفكير السليم، وهو سبيل الإسلام، وكان كل أمر بعد ذلك يوجه إلى الإيمان، ولا يرنقه حقد، ولا محنة، ولا إحنة، وتوالت الأمور التى تقرب الأرحام، وتصل من كانوا قد قطعوه من رحم متوادة رحيمة.
وإن عمرة القضاء التى كانت فى العام السابع دنت بها قلوب كانت متباعدة، وأذن المؤذن تكبيرا لله تعالى وحده على الكعبة الكريمة المشرفة زادها الله تعظيما، عندئذ مالت قلوب أعتى الكافرين عداوة.
وإن لم يتقدموا بالإيمان، حسبك أن يكون منهم عكرمة بن أبى جهل فقد مال إلى الإسلام، وأن يعمل على إعلان إيمانه كما فعل صاحبه خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، وعمرو بن العاص.
فقد رأت قريش محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم يعظم البيت الحرام. ويقيم شعائره، وينحر الهدى عند المروة ويقيم المودة بدل القطيعة، ويحاول أن يقيم وليمة يتناولون فيها الطعام على مائدة الرحمن..
دخل إلى مكة المكرمة راضيا، وخرج عنها وهم راضون.
وبعد أن خرج أخذت النفوس تفكر فى الإسلام، لقد وقف خالد بن الوليد يدعوهم إلى التفكير فى أمر محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، «لقد استبان لكل ذى عقل أن محمدا ليس بساحر، ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين، فحق على كل ذى لب أن يتبعه» .
بلغ أبا سفيان ما قاله خالد، فسأله عن صحة ما سمع، فأكده، فاندفع أبو سفيان غاضبا، وقد باعد بينهما عكرمة بن أبى جهل وكان يميل فى هذه القضية إلى خالد، فقال: مهلا يا أبا سفيان أتقتلون خالدا على رأى رآه، وهذه قريش كلها عليه، والله لقد خفت ألا يحول الحول حتى يتبعه أهل مكة المكرمة.

الصفحة 856