كتاب الحديث والمحدثون

الوحي بمعنى الموحى به:
الوحي بمعنى الموحى به ينقسم إلى متلو وإلى غير متلو:
1- فمن الوحي المتلو القرآن الكريم، الذي جعله الله آية باهرة ومعجزة قاهرة، وحجة باقية على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل بحفظه من التبديل والتحريف إلى قيام الساعة، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} ، نزل به جبريل الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، من غير أن يكون لواحد منهما مدخل فيه بوجه من الوجوه، وإنما هو تنزيل من الله العزيز الحكيم، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} .
وقد انعقد الإجماع على أن القرآن الكريم، نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه لم ينزل عليه منه شيء في النوم، ولا بطريق من طرق الوحي الأخرى. وليس ذلك لأن طرق الوحي الأخرى يعتريها اللبس، أو يلحقها الشك. كلا، فالوحي بجميع أنواعه في اليقظة أو المنام يصاحبه علم يقيني ضروري بأنه من الله سبحانه. وإنما كان الإجماع على ما ذكرنا؛ لأنه الواقع الذي تفيده الأحاديث، والآثار الواردة في أسباب النزول، فإن قيل: روى مسلم عن أنس أنه قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: أنزل علي آنفًا سورة، فقرأ سورة الكوثر"، فهذا يفيد أن سورة الكوثر، نزلت في النوم قلنا: أجاب العلماء عن ذلك بأن الإغفاءة الواردة في الحديث ليست إغفاءة نوم، وإنما هي ما كان يعتريه عند نزول الملك من الوحي وشدته، وقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا عند نزول الوحي عليه؛ لتغلب روحيته على بشريته صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 14