كتاب الحديث والمحدثون

ومن خصائص القرآن الكريم، أنه متعبد بتلاوته في الصلاة وخارجها، وأنه لا تجوز روايته بالمعنى وأنه معجز بلفظه، ومعناه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .
2- ومن الوحي غير المتلو السنة النبوية لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، إلى غير ذلك من الأدلة، وقد تقدم بعضها غير أن السنة النبوية تفارق القرآن الكريم بأمور كثيرة، أهمها أنها منزلة بالمعنى، ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاز روايتها بالمعنى للخبير بمقاصدها العارف بمعانيها وألفاظها عند من يرى ذلك من العلماء، وأنها ليست معجزة بألفاظها، ولا متعبدا بتلاوتها، وأنها نزلت بطرق الوحي السابقة في المنام، أو اليقظة بواسطة الملك أو غيره.
وقد يشكل على أن السنة بأقسامها: أقوالها وأفعالها وتقريراتها من الوحي ما قرره العلماء من جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم، وأنه اجتهد في كثير من الوقائع في الحروب وغيرها، فجعل السنة بأقسامها الثلاثة موحى بها من الله سبحانه يعارض ما قرره جمهور العلماء، فضلا عن أنه يسلبه صلى الله عليه وسلم خصائصه ومزاياه من الفهم الثاقب والرأي الصائب، والجواب عن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم، وإن اجتهد في كثير من المواطن، التي لم ينزل عليه فيها وحي، بمقتضى ما فطر عليه من العقل السليم والنظر السديد، إلا أن الله سبحانه لا يتركه وشأنه، ولكن يقره إذا أصاب وينبهه إن أخطأ، ومن هنا كان اجتهاده صلى الله عليه وسلم إذا أقره الله عليه وحيا حُكْما. فلا تعارض بين ما قرره العلماء، وما قررنا

الصفحة 15