كتاب الحديث والمحدثون

قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، ولما اجتمع أبو يوسف بإمام دار الهجرة مالك بن أنس، وسأله عن مسألة الصاع وصدقة الخضراوات، ومسألة الإحباس؛ فأخبره مالك بما دلت عليه السنة في ذلك قال: "رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت"، ومالك رحمه الله كان يقول: "إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة"، والشافعي رحمه الله كان يقول: "إذا صح الحديث بخلاف قولي، فاضربوا بقولي عرض الحائط. وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي"، وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: "كان الإمام أحمد إذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان؛ ولذا لم يلتفت إلى خلاف عمر رضي الله عنه في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس"، إلى أمثلة كثيرة ذكرها، فلتراجع "1-32" طبع المنيرية.
4- ومع هذه الوصايا المتكررة، نرى كثيرًا من العلماء المقلدين لهؤلاء الأئمة إذا وجدوا حديثا يخالف مذهبهم، ولم يستطيعوا الجواب عنه؛ نراهم يلتزمون المذهب، ويهملون العمل بالحديث، ويعمدون إلى فتح باب الاحتمالات البعيدة، ويلتمسون لمذاهب أئمتهم أوجهًا من الترجيح.
وإن عجزوا عن ذلك ادعوا النسخ، بلا دليل أو الخصوصية أو عدم العمل به أو غير ذلك. فإن عجزوا عن ذلك كله ادعوا أن إمامهم اطلع عل كل مروي. فما ترك هذا الحديث إلا لأنه مطعون فيه. وتارة يقولون: إن أمر الحديث عظيم، وليس لمثلنا أن يفهمه، فكيف يعمل به؟! وما دروا أن تعظيم الحديث إنما هو في العمل به، وأن تركه إهانة له، وأن فهمه على الوجه الذي هو مناط التكليف حاصل، وإلا لما قامت لله ولا لرسوله حجة إلا على أمثال الأئمة المجتهدين.
وقد عاب عليهم صنيعهم هذا كثير من العلماء، منهم العز بن عبد السلام؛ حيث قال: "ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على

الصفحة 33