كتاب الحديث والمحدثون

ضعف مأخذ إمامه؛ بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة؛ نضالا عن مقلَّده" بفتح اللام المشددة.
قال: "ولم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب، ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلدا له فيما قال كأنه نبي أرسل، وهذا نأى عن الحق، وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من أولي الألباب". انظر كتاب حجة الله البالغة "1-155".
5- والذي نراه بعد هذا أن من تفقه على مذهب إمام من الأئمة وتبصر فيه، ثم اشتغل بعده بالحديث، وراض نفسه على استنباط الأحكام منه، فوجد أحاديث صحيحة على خلاف مذهب إمامه، ولا يعلم لها ناسخا ولا مخصصا ولا معارضا أنه لا مناص له من العمل بالحديث وترك المذهب، لا سيما إذا قال بالحديث إمام من الأئمة الموثوق بهم، وأن في هذا المسلك العمل بنصوص الشريعة، وتنفيذ ما أجمع عليه الأئمة، والوقوف من أصحاب المذاهب موقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال لمن يفعل هذا: أنت أعلم من إمامك الذي خالفته؛ لأن إمامه قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره فالمصير إلى الحديث في هذه الحالة أولى، والإلزم عليه الإعراض عن أمر الله ورسوله، وبقي كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته، واعتبر بما ورد عن ابن عباس، وقد ناظره مناظر في المتعة فقال له: "قال أبو بكر وعمر"، فقال ابن عباس: "يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر"، وكذلك ابن عمر رضي الله عنه لما سألوه عنها، فأمر بها فعارضوه بقول عمر، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه

الصفحة 34