كتاب الحديث والمحدثون

الحافظ مهدا لآي الذكر الحكيم، وكانت هذه القلوب الواعية أوعية لحديث النبي الكريم، فاندفع هؤلاء الصحابة الأجلاء إلى تلقي حديث، رسول الله بنهم عظيم وشوق كبير، وأظهر الله بهم دينه على الدين كله وكان أمر الله قدرا مقدورا.
نعم تظاهر هذا العاملان العامل الروحي، والعامل الفطري فأتى القوم بما لم تأت به أمة من يوم أن بعث الله تعالى رسله إلى الخلق، فحفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم، واتخذوا شريعته نبراسا في أمر معاشهم، ومعادهم وبلغوها إلى الناس على وجهها غضة طرية.
المبحث الثاني: "مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية"
رأيت فيما سبق كيف، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين أحكام القرآنالعزيز وضربنا لك المثال، التي أوضحت وظيفته صلى الله عليه وسلم في التبليغ والبيان، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مدرسة مشيدة، ولا معهد للتعليم يجلس فيه إلى أصحابه بل كانت مجالسه العلمية، كيفما اتفق فهو في الجيشمعلم وواعظ يلهب القلوب بوعظه، ويحسن الجنود بقوله، وهو في السفر مرشد، وهاد وهو في البيت يعلم أهله. وهو في المسجد مدرس، وخطيب وقاض ومفت. وهو في الطريق يستوقفه أضعف الناس ليسأله عن أمر دينه فيقف. وهو على كل أحواله مرشده وناصح ومعلم. ألا أنه كثيرا ما كان يعقد لأصحابه المجالس العلمية بالمسجد، حيث يجتمعون فيه في أغلب الأوقات لأداء فريضة الصلاة، فكان يتخولهم بالموعظة تلو الموعظة، والدرس تلو الدرس حتى لا يملو ويسأموا. روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم، يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة

الصفحة 50